«ما تهلع، البنك بيهلع عنّك»

  • 0
  • ض
  • ض
«ما تهلع، البنك بيهلع عنّك»
(مروان بوحيدر)

لم تكُن الزحمة غير اعتيادية مقارنة بالأيام «الطبيعية». بضع عشرات من الناس ينتظرون حلول أدوارهِم لتخليص معاملاتهم المالية. عندما قررت زيارة المصرف صباحاً، توقعت أن أرى جحافل من الناس المصابين بالهلع. ولكن ما عدا العنصر الأمني المستجد على المدخل، كان الوضع يشي، بظاهره، بأنه طبيعي. بينما أنتظر حلول دوري، طنّت في أذني شتيمة طالت رياض سلامة، أطلقتها امرأة تتذمر بهدوء لإحدى الموظفات، «... على رياض سلامة، ضل يقول الليرة مستقرة، والآن لن أستطيع تحويل المال لأولادي في الخارج؟». لم تُسهب المرأة في شتيمتها، أرادت فقط أن تطال أعلى الهرم، وسبب ما أوصلها إلى هذه الحال، داخل ما تعتبره عقر داره. ولم تلق تعليقاً بالإيجاب من الموظفة «المتفهّمة»، التي اكتفت بعبارات التضامن والتعاطف. لم تتمكن الأم من تحويل مبلغ بسيط من المال لأولادها في الخارج، لأن إدارة المصرف أخذت قراراً دون سابق إنذار بإيقاف ذلك. والحلّ؟ «خلينا نشوف شو منعمل»، ولا إجابة قاطعة. في زاوية أخرى من المصرف، يتجمع عدد لا بأس به من «الزبائن» المتململين حول مكتب مديرة الفرع. يتوجه إليها أحدهم مبرراً حاجته لتحويل المال بأنه سيسافر لتلقّي العلاج في الخارج، ويذكّرها بأن حسابه جارٍ منذ ١٣ عاماً، وهو «زبون وفيّ». «يفلش» المستندات المطلوبة أمامها، ويترك لها الحكم على ضرورة حصوله على «النفقة الشخصيةالملحة». بات من الضروري تقديم دليل على حاجتك لمالك الخاص، ولا معايير واضحة للحكم. «سأحاول الاستحصال على الموافقة»، لازمة ترددها المديرة لكل حالة تقدّم إليها. مِمّن ستأتي الموافقة؟ على أي أساس؟ من يتحكم في مصائر الناس؟ أيضاً، لا إجابة قاطعة. عند مكتب آخر، يعلو صوت صبية، أكد لها أحد الموظفين أن البطاقات المصرفية لن تكون فعّالة في الخارج بعد اليوم. يعني، لن تستطيع دفع المال عند السفر إلا نقداً. قرار آخر، أخذ من دون سابق إنذار ومن دون إعلام أحد. «حتى أنا لم يتم تبليغي»، يشرح لها موظف البنك في محاولة لتهدئتها. ومجدداً، ما الحل؟ «سندفع لكِ نقداً وبالعملة اللبنانية واشتري دولاراً من السوق». «حسابي بالدولار، وبدّي معاشي»، تصرخ الصبية معترضة في وجه الجميع. يعلو صوتها ليطغى على أصوات كل الحاضرين في المصرف.

خمس دقائق من الصراخ كانت كافية لإثارة الهلع في نفوس موظفي المصرف، من أصغرهم إلى مدير الفروع

تهرع مديرة الفرع نحوها تاركة الزبائن الهادئين وراءها، ويركض خلفها جمعٌ من الموظفين. يحيطون بـ«الزبونة» ويدعونها إلى مكتب المديرة «حتى تروق». يدخل العنصر الأمني ويقف متفرجاً من دون تدخّل. فلا شيء يستدعي ذلك؛ ثمة فتاة تصرخ مطالبة بأموالها. يجلبون لها القهوة والماء وحبة شوكولا. يدخل المكتب وجه جديد أتى من الطابق العلوي. مين الأخ؟ مدير الفروع بأكملها. نزل من «علّيين» لينضم إلى مجموعة التهدئة التي تشكلت في ثوان لإسكات زبونة غاضبة. بضع دقائق، ويدخل موظف آخر في يده ظرف، ويناوله للصبيّة. تأخده وتغادر بغضب، مع ملامح الانتصار الصغير تعلو وجهها. «خلص خلصت»، يقول المدير داعياً الجميع للعودة إلى أماكنهم. خمس دقائق من الصراخ، كانت كافية لإثارة الهلع في نفوس موظفي المصرف، من أصغرهم إلى مدير الفروع... يضيّقون على عامة الناس بشتى الوسائل، ويقولون لك لا ضرورة للخوف والهلع. لا يمكنك استخدام بطاقة مصرفية، ولا بطاقة ائتمان، ولا إمكانية للدفع عبر الإنترنت، ومالك في حسابك الجاري محتجز تعسّفياً، وتقطّر لك المبالغ بحسب مزاج وحكم مدير ومجلس إدارة لا يرونك إلا على هيئة رقم حساب مصرفي. صراخ «سلميّ» محق، كان كفيلاً بدبّ الذعر في نفوسهم. لا داعي للهلع. من الواضح أن المصرف «يهلع عنك».

0 تعليق

التعليقات