هي أكثر المرّات التي يتعثّر فيها النائب السابق وليد جنبلاط برقص الحبال. «اللعبة» جديدة في البلد لا تُقارن بتلك القواعد القديمة والقديمة المعدّلة، التي أدارت لبنان منذ تأسيسه. حتى العلاقات التقليدية المتينة لغالبية السياسيين اللبنانيين مع القناصل، لم تعد حكراً عليهم. بوجود أبناء المنظمات غير الحكومية المدعومة من الغرب ومراكز الدراسات الغربية، ومحازبين سابقين وناشطين من مختلف الطوائف، وفي الطائفة الدرزية على علاقة مع سفراء الدول، تغيّرت كثيراً قواعد إدارة جبل لبنان الجنوبي. وبصرف النظر عن القناصل، لم يعتد جنبلاط على من يقول «لا» في بعقلين وعاليه وقرى الجبل الأخرى، على من يصرخ ضد الإقطاع، وهو عاجزٌ عن إسكاته بالقوّة وإلباس التمرّد صبغة سياسية، كما حاول وسعى مع القوميين ومعارضيه الآخرين. لم يواجه جنبلاط من قبل، تسرّباً من جمهوره وكوادره كما يواجهه الآن، في لحظة استفاقة من ماضٍ كلاسيكي إلى مستقبل متحوّل لم تتّضح ملامحه بعد.فهو لمس بالتجربة، أن ليس باستطاعته السيطرة على الاحتجاجات الشعبية في الجبل، فرسم لها خطوطاً حمراء كما في حادثة تمثال الشهداء في بيت الدين، وليس باستطاعته كبح جماح المحتجّين من جمهوره في حديقته الخلفية، فتوقّف عن المقاومة، وبدأ بخطة الاحتواء. حتى إنه يلحظ «النَّفَسَ» الذي باتت تتحلّى به مجموعة من كوادره الشابة، وانتقادها لفاسدين حول رئيس الحزب، من وزراء ومستشارين ومستشاري وزراء.
وفي ذات الوقت، بات جنبلاط على يقين، على الأقل أمام حلقاته اللصيقة والمحيطة، بأن الأميركيين يستثمرون في التطوّرات الداخلية لمواجهة حزب الله وإضعافه، في وسائل وأساليب متعدّدة، تصل إلى حدّ الأمن والدم.
على هذا الأساس، يحتار جنبلاط كيف يقارب الأزمة للنجاة، ثم الخروج بأقل الخسائر الممكنة. وهذه الاستراتيجية المفقودة، أدواتها من الماضي، لكنها شفّافة. قبل نحو أسبوعين، أبلغ جنبلاط مجموعة من كوادره أن «المشروع كبير»، وأنه «لا أقدر أن أكون ضد حزب الله ولا أحتمل 7 أيار جديداً»، وهي الرسالة نفسها التي حملها وفد اشتراكي برئاسة النائب تيمور جنبلاط في جولة له على أبرز مشايخ الشوف وعاليه، ولو أن الوفد حمّل حزب الله ما أسماه «مسؤولية حماية العهد». وهذا التوجّه، بدا واضحاً أخيراً في قرى الجبل، التي اعتاد فيها الاشتراكيون على العراضات الأمنية وخطط الانتشار كلّما كانت الأجواء في البلاد متوتّرة، بحيث لم تعكس إشارات الأسبوعين الأخيرين أي نشاط أمني أو عسكري لافت لحزبيين أو مناصرين جنبلاطيين.
وتكرّس الخوف الجنبلاطي أول من أمس، في محاولات الاحتواء السريعة لحادثة مقتل الشاب علاء أبو فخر في الشويفات على يد سائق رئيس مكتب مخابرات الجيش في خلدة المقدم نضال ضو، المحسوب على الاشتراكي، وسبق أن اعترضت قوى 8 آذار مراراً لدى قيادة الجيش ومديرية المخابرات على انحيازه الواضح ضد هؤلاء في المرحلة الأخيرة في أكثر من حادثة على خطّ الساحل الجنوبي. مع العلم، بأن أبو فخر كان أحد أبرز وجوه الحزب الاشتراكي في الشويفات، وأخيراً بات مقرّباً من مجموعات من المحتجين ويساهم بقطع الطرقات خصوصاً في خلدة متمرّداً بذلك على القرار الاشتراكي الرسمي. وحسبما يردّده اشتراكيون بارزون، فإن جنبلاط ازداد اقتناعاً بخطورة المرحلة المقبلة واحتمالاتها المفتوحة نحو فوضى شاملة، لا سيّما لجهة اعتباره «الثورة من دون قيادة واضحة ولا يمكن مشاركتها على الأرض»، ويصبّ اهتمامه أخيراً على السعي لتأمين تموين غذائي وكميات من المحروقات ومستلزمات المستشفيات في الجبل.
حرس جنبلاط نقل مقتنيات ثمينة ولوحات من منزل كليمنصو إلى المختارة


ويضاف إلى ذلك، ما يرد من معلومات عن حركة غير عادية في كليمنصو ومركز الحزب الاشتراكي في وطى المصيطبة هذه الأيام. وفي معلومات «الأخبار»، أن جهاز الحماية لرئيس الاشتراكي نقل مجموعة من التحف واللوحات الثمينة من منزله في كليمنصو إلى المختارة، فيما جرى إخراج ملفّات وأجهزة كومبيوتر وخوادم من مركز الحزب في بيروت ونقلها إلى مراكز أخرى في الجبل. والأمر الأخير يعتبره الاشتراكيون طبيعيّاً، إذ أن «قطع الطرقات عرقل العمل الإداري للحزب الذي يتخذ من المصيطبة مركزاً رئيساً له، لذلك جرى نقل بعض الأجهزة»، فيما يراه آخرون تطبيقاً لسياسة «حماية مناطقنا» التي يرميها جنبلاط بين الحين والآخر، وقلقه من حدوث انفلات أمني واسع في بيروت.
أمّا في مسألة تشكيل الحكومة، فيحاذر جنبلاط الظهور في موقع المعرقل أمام حزب الله، مع استمراره بالهجوم والتحريض على العهد، واقفاً خلف خيارات الرئيس سعد الحريري، حتى الآن.