وسط تقاطع إيليا في صيدا، افترشت صبية الأرض وأخذت تردد: «مش فالة». من حولها، تحلقت والدتها وإخوتها وصديقاتها يقنعونها بضرورة المغادرة أسوة بالمعتصمين الذين لبوا طلب الجيش اللبناني بإزالة خيم الاعتصام وبسطات البيع واليافطات، لفتح الطريق بعد 14 يوماً من الإقفال. رفضت الصبية قائلة: «فليؤمنوا لي فرصة عمل لكي أخرج». شرطها لم يؤخذ في الاعتبار أمام «المصلحة والسلامة العامتين»، اللتين حرصت عليهما اللجنة المنظمة ووافقت لأجلهما على فتح الطريق ونقل الاعتصام إلى الأرصفة وترقب أحداث الثماني والأربعين ساعة المقبلة، إذ سيكون المعتصمون «جاهزين لمعاودة إقفال الطريق». لكن الطريق لم يفتح بسهولة. الصبية ورفاقها وإخوانها على تنوع خلفياتهم المدنية والإسلامية واليسارية والناصرية، صمدوا لأربع ساعات أمام ضغط الجيش واستخباراته وأمن الدولة والقوى الأمنية الذين انتشروا من حولهم. لم يهب المعتصمون والمعتصمات الانتشار العسكري. في وجوه العسكر، صرخ البعض رافضين الخروج الذي يعتبر «تراجعاً للمطالب وانتكاسة لكل الجهود التي بُذلت». هتفوا بأعلى أصواتهم: «مش طالع من الشارع مش طالع». وقبل أن يواجهوا «مصيرهم المحتوم»، أفرغوا ما في صدورهم من هتافات ضد رموز السلطة، لا سيما الصيداويين: «يا سنيورة ويا منشار رجع الـ11 مليار»، و«كلن كلن حرامية من فؤاد لبهية».جمع المعتصمون أغراضهم وطووا يافطاتهم ووضّبوا فرشهم وركنوها في زوايا الطريق وتحت الحديقة الواقعة منتصف الطريق. أما أصحاب «الإكسبرس» وعربات بيع العرانيس والنراجيل والعصائر (...)، فقد أقفلوا مصدر رزقهم الوفير طوال أسبوعين وانتقلوا للبحث عن مصدر رزق آخر في مدينة فقدت مساحاتها العامة ووجدت في اعتصام إيليا ضالتها المفقودة من الحيز العام. تحركت السيارات بين المعتصمين الذين جلسوا عند الأرصفة، فيما سمح للخيم التي نُصبت عند الأرصفة الجانبية، بأن تبقى. من لم يزر اعتصام إيليا، مر به أمس من نافذة السيارة. عينة من المطالب بقيت معلقة على إشارات السير والجدران: «مصرف لبنان الخزينة الأميركية» و«عامية صيدا» و«يسقط حكم المصارف». وبخلاف الليالي الـ14 الماضية، لم يجتمع المعتصمون الصيداويون والضيوف في الساحة بكثافة. بعضهم اعتبر بأنه أنجز المهمة مع استقالة الرئيس سعد الحريري وبعضهم غادر احتجاجاً على فتح الطريق. لكن من بقي وضع أجندة للتحرك في الأيام المقبلة، لا سيما باتجاه منازل المسؤولين في صيدا والمؤسسات الرسمية.
لم يمتثل أنصار الحريري لدعوات القوى الأمنية بفتح الطريق حتى ساعة متأخرة من الليل


إعادة فتح تقاطع إيليا خالفت توقعات أنصار تيار المستقبل في صيدا الذين كانوا ينوون الانضمام امس إلى الاعتصام المفتوح ليصدحوا: «كلن يعني كلن». لم يجد الشيخ سعد، ابن صيدا، تضامناً واسعاً معه بُعيد استقالته، يشبه يوم الغضب الذي عاشته صيدا بعد إسقاط حكومته عام 2011. غدرهم توقيت فض الاعتصام، فلم يتمكنوا من التعبير عن غضبهم المحدود. سكنوا طوال اليوم وعند ساعات اليوم، اقتحموا ايليا ليسرقوه من أهله. أقفلوا الطريق بأجسادهم حاملين يافطات كانت معلقة على الجدران وصدحوا بالهتافات ذاتها التي كان يرددها المعتصمون، ما أحدث بلبلة بين المعتصمين والقوى الأمنية الذين ظنوا بأن المجموعة تمت اليهم. لكن بعد التدقيق، تبين بأنهم من مناصري المستقبل وبعضهم من مرافقي النائبة بهية الحريري وحراس فيلا مجدليون. لم يمتثل أنصار الحريري لدعوات القوى الأمنية بفتح الطريق حتى ساعة متأخرة من الليل. وبالتزامن، قطعت مجموعة دوار مكسر العبد على الاوتوستراد الشرقي مقابل جامع الحريري.



صور انسحبت... والنبطية مستمرّة
لم تفرج القوى الأمنية أمس عن المزيد من الموقوفين في سرية درك صور، على خلفية التظاهرات وإحراق استراحة صور السياحية، فيما يترقّب العشرات استدعاءهم بعد انتشار شائعات في صور وبلداتها عن «لائحة تضم أكثر من 200 شخص ستتم ملاحقتهم على خلفية انتقادهم لحركة أمل في التظاهرات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ورمي موكب النائب علي خريس بقوارير المياه أثناء مروره من طريق صور العباسية». ووفق مصدر أمني، ينتظر الموقوفون، وهم نحو 15 شخصاً، إشارة مدعي عام الجنوب القاضي رهيف رمضان بإخلاء سبيلهم أو بإحالتهم على القضاء المختص. لكن ما هو القضاء المختص في هذه الحالة؟ المصدر أشار إلى أن «التهم لم يُحسم تصنيفها بعد سواء هي سطو مسلح على الرست هاوس أم تندرج ضمن حرية التعبير والتظاهر». الجو الذي تعيشه المدينة السياحية أدى إلى انسحاب عدد كبير من المعتصمين، لا سيما بعد تعرّض خيمة الاعتصام عند مستديرة الاستراحة للتخريب. إلا أن العشرات عادوا ليل أمس وتجمعوا عند «الدوار».
في النبطية، لا يزال العشرات يتجمعون يومياً قبالة السرايا من دون قطع الطريق، بأعداد وزخم أقل من السابق، وخاصة بعد الاعتداء الذي تعرّضوا له قبل أسبوع، من قبل شرطة البلدية وعناصر من حزب الله. في كفررمان، يبدو المشهد أكثر تنظيماً. خيمة الاعتصام المفتوح إلى جانب الطريق، قرب مستديرة البلدة، تنظم برنامج أنشطة يومية من ندوات تثقيفية إلى أمسيات موسيقية، في انتظار تطور الأحداث على صعيد الحكومة الجديدة.