حتى إشعار آخر، يستمر الإضراب المفتوح في المدارس والثانويات والمعاهد والجامعات الرسمية والخاصة. وفي انتظار العودة إلى الصفوف، تحولت ساحات الاعتصام إلى مساحات مشتركة لإقامة نقاشات اجتماعية وسياسية وطرح مقترحات للعمل السياسي و«التعليم على الأرض». للغاية، نُصبت خيَم تحوّلت إلى ما يشبه قاعات دراسة بهدف بلورة نظرة مشاركة لسياسات جديدة ممكنة. مبنى «البيضة»، الذي لا يزال مدمراً في وسط بيروت، يحتضن بين الثالثة والنصف والسابعة من مساء كل يوم مجموعة لقاءات حوارية بين أساتذة جامعيين وطلاب وناشطين وفنانين وفاعلين ثقافيين ومفكرين في مجالات متنوعة سياسية واجتماعية. تشرح مصادر المنظمين أن «البيضة من الشارع وتمثله، وهي تمنحنا مساحة للتفكير والنقاش المركز. ودافعنا هو التشجيع على التربية النقدية وممارستها كممارسة سياسية تهدف الى نقد النظام الاجتماعي القائم والبحث في وسائل تحويله».
(هيثم الموسوي)

المنظّمون وضعوا أهدافاً؛ منها التعلّم الموجّه نحو برامج لنقد علاقات الإنتاج الحالية في السياق اللبناني، المساعدة في تأليف تحالف اشتراكي قوي، مشاركة الخبرات من ثورات وحركات اجتماعية مختلفة، تنظيم أحداث ظرفية للتدخل في الاحتجاجات العامة وخلق مساحة لعرض برامج انتقالية سياسية واقتصادية ونقاشها.
نحو 250 أستاذاً من الجامعة الأميركية يعملون مع طلابهم من خلال منصات متعددة الخبرات، لدعم مطالب الشعب وإيجاد حلول وصياغة توصيات، بالتعاون مع متخصصين وأساتذة وطلاب من جامعات مختلفة، إضافة إلى تشكيل لجان متخصصة هدفها وضع خريطة طريق للمرحلة المقبلة. ومن هذه اللجان: لجنة قانون الانتخاب، لجنة القانون، لجنة الصحة، لجنة الفنون، لجنة الزراعة، لجنة التنظيم المدني والمواصلات. إلى ذلك، سار أمس العشرات من الأساتذة والطلاب والموظفين في تظاهرة من أمام مبنى الجامعة في منطقة بلس باتجاه مصرف لبنان.
وأمس، وقّع نحو 300 أستاذ وموظف في الجامعة اللبنانية الأميركية بياناً يدعم الإضراب المفتوح للأساتذة والطلاب في الجامعات اللبنانية طالما أن التحركات الشعبية مستمرة، ودعم الأساتذة والموظفين «في تحركاتهم السلمية»، مؤكدين أن «الشارع حالياً هو مدرسة وجامعة فعلية». وأعلنوا أنهم سيسهمون في تنظيم لقاءات وسيقترحون «أفكاراً من أجل القيادة الحكيمة للانتفاضة الشعبية والانتقال من دولة طائفية زبائنية إلى دولة مدنية ديموقراطية غير طائفية».
حلقات حوارية يومية بين أساتذة جامعيين وطلاب وناشطين وفنانين وفاعلين ثقافيين ومفكرين


وعشية الإضراب المفتوح، ولد تجمع الأساتذة الجامعيين في لبنان ونصب خيمة خاصة به في ساحة رياض الصلح. وهو يضم، بحسب الأستاذة الجامعية ريما ماجد، مجموعة صغيرة من الأساتذة المستقلين، ويسعى إلى استعادة مساحة التنظيم كمهنة، أي كأساتذة جامعيين، باعتبار أن هناك أطراً نقابية في كل جامعة على حدة وليس هناك إطار يجمع جميع الأساتذة من كل الجامعات. وبحسب ماجد، يجري الضغط باتجاه لإقفال الصفوف وتحويل التعلم إلى الشارع، لكون عودة الحياة إلى الجامعات هي «مقبرة للحراك».
تكتل طلاب الجامعة اللبنانية الذي يضمّ طلاباً مستقلين نصب أيضاً خيمة تستضيف حلقات حوارية تربط قضايا الطلاب بالسياسات الاقتصادية. إلا أنّ عدداً من طلاب الجامعة اقترحوا على أساتذة في التربية على المواطنية مثل الدكتور علي خليفة تنظيم لقاءات تجيب عن بعض الهواجس التي طرحها الاعتصام، ومن بينها معنى العصيان المدني الحقيقي، وما إذا كانت «الثورة» الحالية وقطع الطرقات تعدّ شكلاً من أشكال العصيان، وإلى ماذا يمكن أن يؤدي ذلك، وهل حقاً إسقاط الحكومة بكامل أعضائها هو الحل، أم أنّ هناك حلولاً أخرى؟ وهل نقع في الفراغ إذا استقالت الحكومة، وهل يجب أن يكون للانتفاضة هيئة ممثلة، وهل يجب أن نخضع للقانون أم يمكن العصيان عليه إذا كان القانون لا يسمح بتحقيق العدالة الاجتماعية ولا يحاسب الفاسدين والمرتكبين؟ وأثار الطلاب، بحسب منظمة النشاط الطالبة نانسي القاضي، موضوعات عدة تناولت الأنظمة ولا سيما النظام الفدرالي، ولماذا لا يمكن أن ينجح في بلدنا وما هي ظروف حكمه وسير تنفيذه على الأرض.



تحرّك رمزي أمام مبنى الـ TVA
أمام مبنى الـ TVA عند دوار العدليّة، تجمّع أمس عدد من المعتصمين الذين دعوا في الأيام الماضية إلى التحرّك أمام مبنى مصرف لبنان المركزي. الهدف، وفق محمد نحلة، هو «التضييق على الأمكنة التي توجع السلطة، كما فعلنا أمام مصرف لبنان حيث بدأ التجمع رمزياً وازداد العدد في اليوم التالي، واليوم نتجمّع أمام مبنى الـ TVA لأن الضريبة التي يجنيها هذا المبنى تُقتطع من جيوبنا لخدمة الدين العام وليس لتقديم الخدمات». ويضيف: «الأعداد قليلة، ولو كنا أكثر لتوجّهنا إلى أمام المؤسسة العامة للإسكان». متظاهر آخر يشرح أن «هذا المبنى هو نموذج لسياسات الحكومة، ويمثّل إجراءاتها الفاسدة». وعن قطع الطريق أمام المبنى (تفرّع من دوار العدليّة)، يقول: «الطريق فرعي ولن يؤثر على حركة السير، ونحن أمام مبنى يمثّل جشع السلطة». رامي يرى بدوره أن «لجوء السلطة إلى رفع الـ TVA (الضريبة على القيمة المُضافة) وسياساتها المالية تكون لسداد فوائد الدين العام وعجز الكهرباء وأجور القطاع العام، بدلاً من أن توضع في صندوق مستقلّ لدعم الطبابة والتعليم، مقابل رفع الضريبة على ودائع الطبقة الميسورة».