اعتاد الكتائبيون «حردات» النائب نديم الجميّل، تماماً كما اعتادوا ألّا تتعدى كونها زوبعة في فنجان، قبل أن يعود الى... بيت الطاعة. «دونكيشوت» الكتائب يصارع طواحين الهواء، يرغي ويزبد... ثم يهدأ، وكأن شيئاً لم يكن! قبل أيام، «ولّعها» نديم الجميل في وجه عمه الرئيس أمين الجميل وابن عمه النائب سامي الجميل. إذ نشر على صفحته على «فايسبوك» صورة تحمل أرزة الكتائب وكتب تحتها: «التلاعب بإقليم الرميل الكتائبي يتكرر...

قام مسؤولون حزبيون بالتدخل غير المشروع عن طريق عدم التقيد بأصول تقديم طلبات البطاقة الانتخابية الحزبية. ممنوع اللعب بمصير الحزب». بضع دقائق، وتحوّلت الصفحة إلى «ساحة حرب»، بين من يرى في «نشر الغسيل بهدلة للحزب»، ومدافع عن «ابن بشير» بعد فشل مساعي الحوار مع القيادة التي تحاول «إزاحته». وبين هذا وذاك، عبّر البعض عن امتعاضه من بكفيا بالشتائم، و«تطوّع» آخرون لتصحيح أخطاء النائب اللغوية، فيما خاض خاله جو توتنجي غمار «المعركة» الى جانب نديم الذي لقي مساندة قواتية لافتة.
لم يسبق أحد نائب الأشرفية الى «التمرّد الفايسبوكي». لكن المفارقة أن الشاب الذي غالباً ما «يهدّد ويتوعّد ثم ينسحب عند الجدّ»، يلتزم الصمت التام في اجتماعات المكتب السياسي. وهو سلوك حزبيّ نشأ عليه حتى عندما كان سامي، حجته الدائمة، خارج الحزب. عند كل منعطف كتائبي يزعجه، يلجأ الى الصراخ والتحسّر، لكنه لا يلبث أن يهدأ فور تأنيب قيادة الحزب له. منذ 2005، بدأ نديم يبحث لنفسه عن دور خارج سور الأشرفية. حينذاك، كان الحزب عبارة عن أربع مجموعات: القيادة (كريم بقرادوني)؛ «الحركة الإصلاحية» (أمين الجميل ونجله الراحل بيار)؛ «مؤسسة بشير الجميل» (صولانج وأشقاؤها وابنها نديم)؛ و«قدامى القوات والكتائب» (رئيس القوات السابق فؤاد أبو ناضر والقائد السابق لوحدة قوات المغاوير في الكتائب بوب حداد وغيرهما). كان الهدف عندها خلق حالة بين الطلاب على غرار ابن عمه بيار، منطلقا من فرضية أنه الرقم 3 في الكتائب، بعد بيار وبقرادوني، يقول أحد الكتائبيين المواكبين لتلك الفترة. آنذاك «كان كريم يعدّ بيار لرئاسة الحزب، تماماً كما يمهّد أمين اليوم الطريق أمام سامي». ضمّ بقرادوني مجموعة طلابه الى مجموعة بيار «وسلّمه إياها» لخوض انتخابات مصلحة الطلاب. ولكن ما سبق أغضب نديم، فدعا الى لقاء كبير في الصيفي وسمّى، مع النائب سامر سعادة وآخرين، مرشحاً في وجه مرشح بيار. ولكن عند مواجهة الأخير له وتوبيخه على فعلته، تراجع فوراً وانسحب من المعركة تاركاً فريقه المفترض وحده... وتاركا «الوطن» بعد أن قرر الهجرة الى الخليج.
الأمر نفسه تكرر مع فورة غضب أخرى عام 2005، حين هدّد بفتح فروع لـ «مؤسسة بشير الجميل» في كل لبنان وتكوين حالته الخاصة. إلا أن شيئاً لم يحدث حتى الساعة. وأخيراً، بات ـــ عندما «يحرد » ـــ ينظم نشاطات في الأشرفية تحت اسم المؤسسة لا الكتائب، أو يعمد الى استفزاز عمه وابن عمه بتصريحات تشكك في «ديمقراطية» الحزب وأفضلية تولّي عمه رئاسة الجمهورية، أو ... عبر نشر لوعته على «الفايسبوك»! فيما يقول بعض الكتائبيين، إنه لو نفّذ ما هدّد به قبل سبع سنوات لكان اليوم من بين الأرقام الكتائبية الصعبة التي يستحيل تخطيها. اذ وفقا لهم، أي رجل حزبي قوي ومحنك سياسيا قادر على تحريك رمال بكفيا من دون مجهود استثنائي.

مشكلات نديم الأربع

يصرّ المقربون من ابنَي أمين وبشير على أن لمشكلة نديم الحزبية أربعة أبعاد: سامي؛ عدم انخراطه بالعمل الحزبي الطالبي؛ شخصيته الخمولة وغير الكاريزماتية؛ وحنينه الى القوات اللبنانية.
فور اغتيال الوزير بيار الجميل، ظن نديم أنه أصبح الرقم الأول بين شباب الحزب/ العائلة، الى أن قرر سامي العودة الى الحزب الذي يرأسه والده من بابه العريض. سريعاً، شغل نجل أمين منصب رئيس مصلحة الطلاب، وأقيمت له لقاءات شعبية وحزبية ليصبح، في وقت قصير، منسقاً للجنة المركزية. فيما كان كل من نديم وميشال مكتف (الذي خلف بيار في رئاسة مجلس الأقاليم والمحافظات في الكتائب) يتصرف على اعتبار أنه الأولى بخلافة بيار. لم يدم طموحهما طويلا، أُخرج مكتف من الحزب وأُبعد بقرادوني، بينما سُيّج «حلم» نديم بين حدائق الصيفي والمدوّر بحسب أحد أعضاء المكتب السياسي. وباتت قيادة الكتائب تتعامل مع نديم كواحد من نواب المناطق، مع هامش حرية أوسع سمح له بإنشاء جهاز إعلامي خاص وماكينة عمل انتخابية بمعزل عن الحزب. فيما عمد «العم » وابنه، كما يُسرّ نديم في مجالسه، الى استفزازه عبر استقبال غريمه المرشح مسعود الأشقر في بكفيا، وحرمانه من «حقه الطبيعي» في تسمية أعضاء للمكتب السياسي، والتفرد بالقرارات التي تعني دائرة نيابته مباشرة كتسمية رئيس لإقليم الرميل من دون استشارته .
البعد الثاني يكمن في عدم خوض نديم «معمودية حزبية»، سواء في الجامعة أو على الأرض، على غرار ابن عمه. إذ انه قضى وقتاً طويلاً في فرنسا، حيث درس القانون (2000 ــــ 2005). وعندما سنحت له فرصة التفرغ للعمل الحزبي، انسحب بسبب خلافه مع بيار الى قطر بعد تلقيه عرض عمل مغرياً!
وتكمن المشكلة الثالثة والرئيسية في عدم قدرة نديم على إثبات كفاءته الحزبية وتوسيع نفوذه خلال أعوام نيابته، وفشله في فرض نفسه على الحزب بالقوة: خسر معركة المخاتير وفقد السيطرة على الحزبيين بعدما أعدم الحياة الحزبية في الأشرفية. كما فشل في فرض نفسه كوجه 14 آذار الأقوى في الدائرة، رغم سهولة مهمته في منطقة شغلها جدّه بيار الجميل سابقاً وسيطر عليها والده عسكرياً . وعوض أن يأتي المرشحون إليه، بات هو يذهب إليهم ويتلطّى خلف صناديق تيار المستقبل.
وأخيراً، يعيش نديم عقدة «ازدواجية الولاء» بين الكتائب والقوات. فهو لم يتحرر يوماً من أن والده تدرّج في الكتائب قبل أن يؤسس حزبه الخاص، القوات اللبنانية. هذه الازدواجية أورثته موقعاً في الكتائب وأبقت قلبه في القوات. لذلك غالباً ما يقوده قلبه الى معراب، فيتمرّد على حزبه معارضاً خياراته، كهجومه على مشروع القانون الأرثوذكسي الذي أيدته بكفيا، وتلويحه باحتمال عدم منحه الثقة للحكومة التي يتمثل فيها الكتائب بثلاثة وزراء. ويشير المراقبون لنديم الى أهمية توقيت «ثوراته»، خصوصا الأخيرة بعد مشاركة حزبه في الحكومة ومقاطعة القوات لها. فإبن بشير «على علاقة استثنائية بمعراب، ويغرف سياسيا من «خزان» السفير السابق جوني عبدو. أما وليّ أمره ومرشده اليومي وكاتب خطاباته، فليس الا خاله جو توتنجي، عدوّ أمين الجميل الأول والمرشح سابقا لرئاسة الكتائب».

زعامة الرميل

ليس بإمكان النسوة اللواتي «بايعن بشير» واحتضنّ ابنه وفاءً له، إلا قرص نديم في وجهه الطفولي وإغراقه بقُبل تُعيد إحياء ذكرى «البشير» فيهنّ . وهو عرف كيف يستثمر هذا «السلاح» بتكثيف صوره بالنظارات السوداء ومشاركته في «صبحيات» الأشرفية. فيما يرى المراقبون لحركة الشاب أن الاقتراع عام 2009 لإنصاف «ابن بشير» قد لا يتكرر بالزخم ذاته مستقبلاً، وخصوصاً بعد تجربة نيابية شبه فاشلة. فبدل انصراف نديم الى لمّ شمل كتائب دائرته، يضاعف عدد أعدائه داخل «بيته». فقد كان بمقدوره قلب قرار تعيين المختار إيلي نصار رئيساً لإقليم الرميل (ولو خلافاً لرغبته) لمصلحته. ولم يكن يحتاج، وفقاً للمحيطين به، إلا الى الابتسام لنصار حتى يعمل الأخير تحت ظله. لكن إصراره على ردّ «استفزازات» ابن عمه بالمثل وتوجيه صفعة له عبر صفع رجله (أي نصار) في قلب البيت الكتائبي، أضرم النار في قلب مجموعة من شباب الرميل. مشهد يدفع أحد قدامى الكتائب الى الاستهزاء بالحزب الذي يفتقر أكثر من أي وقت مضى الى كوادر شابة تمثله بعيداً عن عائلتي آل الجميل في بكفيا والأشرفية. وفي رأيه، يتنافس نديم وسامي على وراثة «صيت» بشير . لكن المفارقة أن بشير، في ثلاثينياته، كان غالباً ما ينام ببزته العسكرية ويلاحقه أكثر من عشرين جهاز استخبارات ويصارع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. فيما يتقاتل الشابان، في ثلاثينياتهما، وفي عصر «داعش» و«النصرة» والانتحاريين، على زعامة ... إقليم الرميل!

يمكنكم متابعة رولا إبراهيم عبر تويتر | @roulaibrahim




الصراع على الرميل

تاريخياً، نصبت منطقة الرميل الموالية لرئيس حزب الكتائب أمين الجميل مدافعها في وجه مؤسس حزب القوات بشير الجميل. وبقي مقاتلوها المتقاعدون أوفياء لأمين، وبالتالي نجله سامي، رغم تربع ابن بشير على كرسي الحزب في المنطقة، مفترضاً أن المنطقة خاضعة لنفوذه حكماً. عند تعيين رئيس لإقليم الرميل سابقاً، أخذت بكفيا برأي نديم الذي رشّح نبيه صوايا للمنصب. إلا أن صوايا فشل في احتواء مجموعة سامي التي زارت بكفيا أكثر من مرة للاحتجاج على إهمال الحزب لها. وحين قاربت ولاية صوايا على الانتهاء، أبلغت القيادة نائب الأشرفية بالشكاوى، طالبة منه تسمية مرشح آخر، لكنه أصرّ على صوايا. فبادرت الكتائب الى تعيين المختار إيلي نصار، قائد مجموعة الرميل ومدير مكتب سامي السابق، رئيساً للإقليم في فترة «صدف» وجود نديم فيها خارج البلاد. لم يكد يتبلّغ خبر التعيين حتى استشاط غضباً ترجمه أنصاره بالتعدي على المختار ثلاث مرات، داخل بيت الكتائب. عندها سرت شائعات كثيرة تقول بتعليق آل الجميل لرئاسة نصار، فيما أبلغ نديم الحلفاء والخصوم نيته التصعيد في المكتب السياسي... فصمت، ثم قرّر «فضح» الكتائب إعلاميا. وأول من أمس، تقدّم نصار ببيان استقالته الى الأمين العام للحزب ميشال خوري، جراء «اعطاء تعييني تفسيراً يتناقض مع ما كنت أنوي القيام به». هذه الاستقالة هي انتصار لنديم. لكن خصومه يعدون العدة لرد الصاع صاعين في مؤتمر الكتائب العام الشهر المقبل. فبحسب أحد كتائبيي الرميل، «هرع الشباب لدفع اشتراكاتهم والاستحصال على بطاقات حزبية، اذ كلما زاد عدد المنتسبين زاد تمثيل الإقليم في المؤتمر عبر المندوبين. وغالبية هؤلاء يعارضون نديم. ما يعني بالتالي تجريد نائب الأشرفية من تمثيل إحدى مناطق دائرته داخل حزبه. أمام ذلك، لم يجد الشيخ نديم سوى الفايسبوك لاتهام خصومه بالتلاعب في أصول تقديم الطلبات، محذّراً من «اللعب بمصير الحزب». فهل يمهّد «انتصاره» لانتفاضة «بشيرية» يستغلها لإحكام السيطرة على دائرته، أم هي، كما دائما، زوبعة في فنجان؟