حسم التحقيق الذي أجراه الجيش في الاعتداء على الضاحية الجنوبية لبيروت يوم 25 آب الماضي، بطائرتين مسيَّرتين عن بُعد، الكثير من التفاصيل التي كانت محل جدل. الطائرتان إسرائيليتان. انطلقتا من البحر، وجرى التحكم بهما اعتماداً على طائرة تجسس إسرائيلية كانت تواكبهما. وزير الدفاع الياس بو صعب، في مؤتمر صحافي عقده للكشف عن نتائج التحقيقات، شرح تفاصيل تقنية تُظهر أن الجيش تمكّن من إعادة رسم مسار طائرة التجسس، كما جزء كبير من مسار المسيَّرتين المفخختين. وكشف وزير الدفاع أن المسيَّرة التي لم تنفجر مرّت فوق مطار بيروت، مهددة سلامة الطيران المدني، خاصة أن صندوقها (عرضه في المؤتمر) كان يحمل متفجرات بلاستيكية تزن 4.5 كيلوغرامات، وهو يلتصق بالطائرة وله ذراعان آليتان تساعدانه للوصول إلى الهدف الذي كانت ستوضع عليه المتفجرات.وعُرض على شاشة في القاعة صور للطائرة المسيَّرة الأولى، وهي صناعةoctocopter coax x8 لها ثمانية محركات وأربع أذرع، وتراوح حمولتها بين 7.2 و 17.4 كيلوغراماً مع الصندوق والمتفجرات، مع بيان مدة طيرانها ومتوسط سرعتها ومسافة طيرانها. أما الشركة المصنّعة، فهي شركة إسرائيلية، اسمها commtact.
وأوضح أن الجيش استطاع أيضاً أن يعرف كيفية برمجة هذه الطائرة المصنّعة لأغراض عسكرية، وتوصل إلى معلومات تظهر فيها نقطة تفتيش للمهمة التي تقوم بها الطائرة.
وشرح المقدم سمير شمس الدين قدرات الطائرة، التي تبين أنه كان يجري التحكم بها عبر طائرة تجسس وسيطة «تتحكم بها من الأعلى، ومن مميزاتها أنها مشفرة بطريقة تقنية عالية، وصناعتها وهدفها عسكري بشكل محترف وجهاز الاستقبال الصغير الذي تحمله الطائرة يستعمل عند تجربة الطائرة وفحصها قبل المهمة».
وبعد عرض محاكاة لسيناريو العملية والمسار الكامل للرحلة وللمسلك الذي كان مقرراً لعودة المسيَّرة التي كان مخططاً لها أن «تزرع» المتفجرات في الضاحية، وبعد عرضٍ آخر لمسار الطائرة الثانية (التي انفجرت) التي تبين بعد الكشف أنها مماثلة للطائرة الأولى نظراً لتطابق الأجزاء، قال بوصعب: «هذا لم يكن الخرق الأول للقرار 1701، ففي الشهرين الأخيرين بلغ عدد الخروقات الإسرائيلية 480 خرقاً، لكن هذا الخرق بالتحديد يعتبر الأخطر منذ إعلان القرار 1701، أي منذ حرب تموز».
وكان لافتاً في مؤتمر بوصعب ذكره أن «نقطة فحص المهمة حدثت على بُعد 11.6 كلم مقابل مطار habonim في الأراضي المحتلة»، ما يعني أن الجيش ثبّت تقنياً كافة مراحل العملية. مكان انطلاق المسيَّرتين من البحر لم يُحسم تماماً، إذ تحدّث وزير الدفاع عن احتمال أن تكونا قد انطلقتا من على متن زورق، كما عن احتمال إطلاقهما عبر فرقة كومندوس كانت على متن زورق مطاطي لا يلتقطه الرادار، ثم سُيِّرتا بواسطة الطيار الآلي لإيصالهما إلى البقعة المستهدفة، قبل التحكم بهما يدوياً داخل البقعة المستهدفة، اعتماداً على طائرة التجسس كـ«وسيط».
وفي حوار مع الصحافيين، قال بوصعب إن «العدو الإسرائيلي هو الذي كان متحكماً بهذه العملية عبر الجو والبحر». أما الهدف من عملية المسيَّرات، فيعرفه العدو، «وما تبين لدينا أنها وصلت إلى منطقة سكنية آمنة، وهو مكان مفتوح للجميع، والهدف قد يكون مصلحة تفيد بالسياسة الداخلية للعدو». ورداً على سؤال، قال بوصعب إن ما حُكي عن استهداف لحاوية في معوّض تبيّن أنه غير صحيح، لأن هذه الحاوية فيها مولّد كهربائي.
المسيَّرتان من صناعة شركة إسرائيلية، وكانتا معدَّتين لزرع متفجّرات


أسئلة الصحافيين دفعت بوصعب إلى الحديث عن قضية العميل عامر الفاخوري، فقال إن كل المعلومات التي كانت متوافرة عندما صدر بحقه حكم غيابي عن المحكمة العسكرية بالسجن 15 سنة بجرم إجراء اتصال مع العدو الإسرائيلي، أنه بقي في ميليشيا لحد حتى عام 2000، واليوم نسمع أنه كان يقوم بدور مختلف بعد 1996 في سجن الخيام. أضاف: «الحكم صدر عام 1996، واسم عامر الفاخوري مدرج على البرقية 303 كما حال الكثير من العملاء الذين كان لديهم اتصال مع العدو الإسرائيلي، وبالتالي ليس هناك نظرية مؤامرة. لماذا شطب اسمه عن 303؟ بحسب السجلات الموجودة لم يكن هناك معلومات كافية، وهذا ما توافر لأجهزة الدولة كلها بعد صدور الحكم مرّ عليه الزمن. طبعاً هناك عملاء بدرجات، وكل واحد تختلف مسؤوليته عن الآخر، إنما لا نحن ولا الجيش متهاونون مع عميل قتل وعذب وكان له دور فعال بمشاركة العدو أو ميليشيا لحد بحق الجيش اللبناني أو المواطنين أو المقاومين اللبنانيين. 303 هو تدبير لتوقيف أشخاص بحقهم إخبار بالتعامل مع الإسرائيلي، أو لهم دور في عملية إرهابية. إنه وسيلة، ولكن في النهاية التحقيق هو الذي يقرر البريء من المدان. عندما رفع اسم الفاخوري مطلع أيار 2017 من 303، فلأن ملفاته في المحكمة العسكرية كانت وفق هذه التهمة، لكن تبين فيما بعد، ولا سيما بعد توقيفه، أن هناك تهماً أخرى في حقه».
وختم: «اليوم لا يزال لدينا 3571 اسماً مدرجة على 303 لها علاقة بميليشيا لحد أو بالتعامل مع الإسرائيلي في الجنوب، هذا لا يعني أننا نشطب أسماء كل الأشخاص عن 303، بل هناك أشخاص تُسحب أسماؤهم لأنه وضع معيار معين واتخذ القرار في المجلس الأعلى للدفاع منذ سنوات بأنّ كل شخص مذنب سيحاكم، وهناك أشخاص ذهبوا إلى الأراضي المحتلة ويريدون العودة، هناك أطفال ولدوا هناك لا ذنب لهم، وحقهم أن يعودوا، ولا أعتقد أن هناك اختلافاً في السياسة بين الأفرقاء في هذا الملف، والقضاء اللبناني لا يخضع لأي ضغط من أحد في أي ملف».