فجأة، غادر رئيس الحكومة سعد الحريري، إلى الرياض، في زيارة سريعة لم تُعلَن أسبابها. مشهد أعاد إلى أذهان اللبنانيين قصة استدعائه إلى المملكة العربية السعودية منذ سنتين، حينَ أعلن منها استقالة فُجائية «كركبت» البلاد، وكانت المنطقة تشتعل على وقع الضربات التي تتلقاها الرياض من جراء عدوانها على اليمن. لكن هذه الزيارة التي أتت بعدَ استقبال الحريري السفير وليد البخاري الذي سلّمه دعوة من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للمشاركة في الدورة الثالثة للمنتدى العالمي لصندوق الاستثمارات العامة في المملكة، ليست سوى «زيارة خاصة»، بحسب مصادر رئيس الحكومة، التي أشارت إلى أنها «بسبب عيد ميلاد ابنه الصغير». إلا أن مصادر أخرى أكدت أن الحريري سيلتقي وزير المالية السعودي محمد بن جدعان، لاستكمال البحث في الدعم المالي الذي تحدث عنه الوزير السعودي يومَ أمس. ومن المفترض أن يتوجه الحريري بعدَ ذلك إلى فرنسا يوم الجمعة، حيث سيلتقي الرئيس إيمانويل ماكرون، ما يفترض أن يشكّل انطلاقة تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر». وفي هذا الصدد، ترددت معلومات عن أن رئيس الحكومة قد يلتقي أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، الذي يزور باريس للقاء الرئيس الفرنسي في الوقت ذاته، إذ أشارت المصادر إلى أن «رئيس الحكومة طلب منه المساعدة في إقناع ماكرون بجدية الجهود التي تقوم بها الدولة اللبنانية بهدف إنقاذ الوضع المالي»، لكن مصادر الحريري نفت ذلك.سفر الحريري سبقته جلسة لمجلس الوزراء خُصصت لمناقشة موازنة عام 2020، تحدث الحريري في بدايتها عن أهمية النقاش الذي سيحصل، ودعا الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم، وإلى أن يكون النقاش صريحاً ومسؤولاً، وأن يتقدم الجميع بكل الاقتراحات التي تؤدي إلى منطق الإصلاح الجذري في نقاشات الموازنة. واعتبر الحريري «أننا نستطيع الاستناد إلى نقاش موازنة عام 2019 أساساً للنقاش»، ولكنه طلب الذهاب أبعد من ذلك في «الإجراءات الإصلاحية»، وحذر من العودة إلى دوامة النقاشات التي حصلت سابقاً في نقاش الموازنة السابقة. ثم قدّم وزير المال علي حسن خليل شرحاً أكثر تفصيلاً لبنود الموازنة، سواء فذلكة الموازنة أو نقاش المواد الورادة فيها، التي تضمنت خطوطاً عريضة، ووضعت أولويات واضحة لمشاريع البنى التحتية والكف عن الإنفاق في كافة المجالات، بالإضافة إلى تحصين ممتلكات الدولة عبر وقف التعدي على الأملاك العامة. وتضمنت أيضاً إدخال تصحيحات على نظام التقاعد، وتخفيضاً لأكلاف الدواء والاستشفاء، وتخلص الدولة من المؤسسات التي انتفت الحاجة إليها.
نقطة أساسية احتدم النقاش حولها في جلسة أمس، هي المتعلقة بإعطاء سلفة لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 1500 مليار، كما نصّت المادة 13 من مشروع الموازنة، إذ إن التقديرات تشير إلى أن المؤسسة بحاجة إلى 2800 مليار ليرة. وفي هذا الإطار، لفت وزير المال إلى أن تحديد المبلغ بـ1500 مليار، الهدف منه توفير نحو 1000 مليار من عجز الموازنة بناءً على خطة الكهرباء التي تنص على زيادة الإنتاج عام 2020، وبالتالي إمكان زيادة التعرفة. غير أن الوزير سليم جريصاتي اقترح زيادة قيمة السلفة لتصِل إلى 1800 مليار ليرة، لكن وزيرة الطاقة ندى البستاني أكدت أنه لن يكون كافياً، لذا كان الاتفاق على تأجيل البحث بهذا البند إلى حين الانتهاء من مناقشة الموازنة. أكثر من مصدر وزاري أكد أن «خفض دعم الكهرباء سيؤدي حتماً إلى زيادة التقنين، لأن الخطط الموضوعة لزيادة إنتاج الكهرباء تأجلت لأسباب عدة».
مصادر الحريري تنفي ما تردد عن نيته لقاء أمير قطر في باريس

ورأت هذه المصادر أنه «في حال الاتفاق على خفض الدعم الذي تقدمه الدولة لمؤسسة الكهرباء، فإن ذلك يعني إجبارها إما على زيادة التعرفة أو زيادة التقنين. وبما أن زيادة التعرفة من دون زيادة الإنتاج أمر يُصعب تحقيقه، يصبح خيار زيادة التقنين الأكثر ترجيحاً». ورأت المصادر أن «فكرة التوفير من الدعم هي فكرة بلا جدوى حسابية، لأنه في مقابل التوفير من الكهرباء زادت كلفة الدين العام نحو 900 مليار ليرة، وكلفة الرواتب والأجور 300 مليار»، مشيرة إلى أن «الدولة لا تفكر في خفض العجز إلا عبر الكهرباء، ما يعني عملياً زيادة الكلفة المباشرة على السكان، لأن زيادة التقنين تعني زيادة في فاتورة المولدات».
من جهة أخرى، لم يُتَّفَق على النسخة النهائية للمخطط التوجيهي للمقالع والكسارات، في اللجنة الوزارية المكلفة دراسته، إذ حصل نقاش حاد بين وزير البيئة فادي جريصاتي والوزير محمود قماطي، ونقاش هادئ بين جريصاتي ووزير الأشغال يوسف فنيانوس، وتدخل فيه أيضاً الوزير وائل أبو فاعور. فقد عارض الوزراء المخطط لجهة حصر المقالع والكسارات في منطقة البقاع الشمالي، لأن ذلك يعني الضغط على البنى التحتية في هذه المنطقة، نظراً لعدد الشاحنات التي ستعمل على طريق المنطقة، ويصل عددها إلى 1800 شاحنة، كذلك يزيد الضغط على طريق ضهر البيدر الذي يعاني أساساً من المشاكل. واتُّفق على عقد جلسة أخرى لتقرير الصيغة النهائية.