تنفيذ العدو الإسرائيلي عملية أمنية في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، بواسطة طائرتين مُسيّرتين عن بُعد، ليل السبت - الاحد، وسقوط شهيدين للمقاومة بغارة إسرائيلية في سوريا، فرضا على المقاومة اتخاذ قرار بمنع العدو من إطلاق مسار يهدد فيه قوة الردع التي تحمي لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية، وتحمي المقاومين حيثما كانوا. ولأجل ذلك، أعلن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس المعادلة الجديدة: طائرات العدو المسيّرة عن بُعد لن تبقى آمنة في سماء لبنان بعد اليوم؛ والمقاومة ستردّ على غارة ريف دمشق، عبر الحدود اللبنانية - الفلسطينية.مرحلة جديدة فرضها العدو الاسرائيلي على لبنان… «ونحن أهلها»، وفق ما أكّد نصر الله، لأنّنا نحن اللبنانيين «صنعنا أمننا وأماننا بأيدينا ودماء جنودنا ومقاومينا، وتحمّلنا أعباء أن يكون بلدنا واحة أمن وسلام، لن نسمح بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أو أن يُصبح مُستباحاً». ومرّة جديدة، «سنُدافع عن بلدنا، عند كلّ حدود. وإذا راهن العدو على ضعفنا أو كان فرحاً بحصار مالي علينا، فهذا يعني انه لا يعرفنا. نحن حاضرون أن نجوع، لكن أن نبقى أعزّاء. نبيع بيوتنا ونُقاتل، لكن لا نسمح لأحد بأن يمسّ وجودنا وكرامتنا، وليتحمل الكلّ مسؤوليته في المرحلة الجديدة»، قال نصر الله داعياً في الوقت نفسه الجميع في لبنان إلى اتخاذ «موقف قوي موحّد، لأنّ العودة إلى الانقسامات القديمة، ستؤذي البلد».

نصرالله: نبيع بيوتنا ونُقاتل، لكن لا نسمح لأحد بأن يمسّ وجودنا وكرامتنا(هيثم الموسوي)

في كلمته أمس، تحدّث السيّد نصر الله عن المُستجدات الاسرائيلية الأخيرة «الخطيرة جدّاً جدّاً جدّاً». ولكنّه اعتمد لهجةً تصعيدية - تهديدية، تتناسب مع معادلة الردع، التي ثبتتها المقاومة مع العدو الصهيوني، وتسمح لها برفع السقف عالياً، حتى لا يُراهن أحدٌ على تلقيها الضربات، من دون الردّ المناسب.
شارك نصر الله الرأي العام تفاصيل ما جرى فجر السبت - الأحد. فقال إنّ المقاومة «غنمت» طائرة مُسيّرة إسرائيلية، نظامية وليست من نوع الطائرات التي تُعتمد للتصوير الشخصي، «ممكن أن نعرضها على وسائل الإعلام، إضافة إلى حطام الطائرة الثانية». الطائرة الأولى دخلت إلى حيّ معوض، «وكانت للاستطلاع وغير مزودة بأي مواد تفجير». حلقت على علوّ منخفض، «إلى حدّ أصبحت بين البنايات»، يُرجّح أنّها كانت «تُقدّم صورة دقيقة للهدف المقصود». ليس حزب الله من أسقط الطائرة، بل «شبّان في الحي بدأوا برمي الحجارة عليها، ووقعت. قد تكون وقعت نتيجة خلل فني أو بسبب الحجارة لأنّها مُصابة». وأكمل نصر الله أنّه «بعد مدة زمنية بسيطة، جاءت الطائرة الثانية، بشكلٍ هجومي، وضربت مكاناً معيناً. ما حصل هجوم بطائرة مُسيرة انتحارية، على هدف في الضاحية الجنوبية». وهذا الهجوم الإرهابي هو «أول عمل عدواني منذ 14 آب 2006. كلّ وسائل الإعلام الاسرائيلية تتكلم عن مُسيّرة إرهابية. الاسرائيلي يعترف بأنّه قام بهذه الاغارة. وهذا خرق لقواعد الاشتباك التي تأسست بعد حرب تموز. خرق كبير وخطير والله لطف من دون ضحايا».
قد يلجأ البعض في الداخل اللبناني، وحلفاء الولايات المتحدة و«اسرائيل» في المنطقة، إلى تسخيف ما حصل. ولكن بالنسبة إلى نصر الله، «إذا سُكت عن هذا الخرق، فسيؤسّس لمسار خطير جداً على لبنان. وسيسمح بأن تقوم مُسيرة إرهابية، كلّ مدة، باستهداف هذا المبنى والمكان، تحت عنوان مُسيّرة الله أعلم من أين أتت». شبّه نصر الله ما يُحاول العدّو القيام به في لبنان، بتكرار للسيناريو الذي يجري في العراق حالياً، وبدأ منذ أسابيع باستهداف مخازن الحشد الشعبي. «فليسمعني كل العالم، شأنهم العراقيين كيف يتعاطون مع الأمر. لكن بالنسبة إلينا في لبنان، نحن لا نسمح بمسارٍ من هذا النوع، وسنفعل كل شيء لمنعه، مهما كلّف الثمن. تقوم الدولة بمسؤوليتها، تُدين الاعتداء، تُقدّم شكوى لمجلس الأمن، تتكلم مع الأميركيين، هذا جيد، لكن لن يوقف المسار الخطير الذي سيُعيد لبنان إلى ما قبل عام 2000». وهنا يأتي دور المقاومة، فأكّد نصر الله انتهاء الزمن «الذي تقصف فيه اسرائيل لبنان، ويبقى الكيان آمناً، في أي نقطة فيه». توجّه إلى المستوطنين، مُبلغاً إياهم: «لا تعيشوا، لا ترتاحوا، لا تطمئنوا، ولا تراهنوا أنّ حزب الله سيسمح بمسار من هذا النوع». ففي المرحلة الجديدة التي يريدها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، «لم تعد المسيّرات الإسرائيلية في نظرنا مسيّرات جمع معلومات، أو خرق سيادة، بل أصبحت مُسيرات تفجير وعمليات إرهابية وقتل. بالتالي من حقنا ومواجهتها، وعندما تدخل إلى سماء لبنان سنعمل على إسقاطها. البعض قد ينزعج من كلامي، فلينزعج الناس الذين ينزعجوا. وليتحدث اللبنانيون إلى الأميركيين، ليقولو للإسرائيليين ينضّبوا». أما عن وتيرة وتوقيت إسقاط المُسيرات، «فهذا له علاقة بالتكتيك».
نصر الله: إذا سُكت عن هذا الخرق (في الضاحية)، فسيؤسّس لمسار خطير جداً على لبنان


وعن إعلان العدو قصفه مركزاً لقوّة القدس في الحرس الثوري الإيراني، في ضواحي دمشق ليلة السبت، كشف نصر الله أنّ «نتانياهو يكذب على المستوطنين. فسلاح الجو أغار (أول من أمس) على بيت لحزب الله، لا يوجد فيه إلا شباب لبنانيون. وقد ارتقى في القصف الشهيدان حسن يوسف زبيب وياسر أحمد ضاهر». وذكّر نصر الله الاسرائيليين «بأنّه لا نمزح حين نقول إنّه إذا قتلتم أياً من إخواننا في سوريا، فسنرد على القتل في لبنان، وليس في مزارع شبعا». وباللهجة اللبنانية العامية، توجّه إلى كلّ الاسرائيليين، وليس فقط سكّان المستوطنات في الشمال، بالقول: «وقاف على الحيط، على إجر ونصّ، وانطرنا». فنتانياهو «يشتغل انتخابات». وبعد أن جرب، في العادة، أن يخوض الاستحقاق «بدماء شعوب المنطقة، إنّه يخوضها بدمائكم أنتم أيها الاسرائيليون. هو يستجلب النار لكم من كلّ مكان. يقودكم إلى حافة الهاوية، لأنّه خائف من نتائج الانتخابات، وعليه ملفات فساد».
قبل تناول المستجدات الميدانية، افتتح نصر الله كلمته في مهرجان «سياج الوطن»، لإحياء للذكرى السنوية الثانية لتحرير الجرود الشرقية من المجموعات التكفيرية، بالحديث عن الذكرى. واعتبر أن الحضور الشعبي الكبير في بلدة العين البقاعية، «هو أول ردّ على الاعتداءات الاسرائيلية ليلة (أول من) أمس». الاحتفال بهذه المحطة التاريخية، أساسي، «لأنّ ما حصل كان كبيراً ومهماً، ولا يجوز أن يُصبح حدثاً عابراً في وجدان المنطقة». فهو جزء من مشروع «أُعد لسوريا، وانطلق منها منذ الـ2011، واستهدف نظاماً مقاوماً، وكانت هناك خريطة لاعادة تقسيم المنطقة، على أسس عرقية ومذهبية. وقتال محورنا خلال السنوات الماضية هو الذي منع، وسيمنع التقسيم، في كلّ البلدان العربية والاسلامية». واضاف: «حالياً، نشعر بالأمن والأمان من دون منة من أحد، لكن يجب أن نبقى متنبهين لأنّ الجرح قائم. الخطر، في مكان ما، لا يزال قائماً»، مع الإشارة إلى أنّ «داعش أصبح أبعد مكانياً عن بلدنا. جبهة النصرة أيضاً هي أبعد ما تكون عن حدود لبنان. وسوريا تسير بخطى ثابتة نحو النصر النهائي».
ما هي تبعات ما بعد التحرير؟ قال نصر الله إنّه «كنا نأمل أن يكون للدولة مسؤولية مختلفة تجاه المنطقة، لأنها دافعت عن لبنان. فلو استطاعوا إسقاط بعلبك - الهرمل، لكان داعش والنصرة في المناطق الساحلية. هكذا يجب أن تنظر مؤسسات الدولة إلى المنطقة». تحدّث الأمين العام لحزب الله عن إهمال الدولة لآلاف اللبنانيين الذين يسكنون في قرى القصير، «وحافظوا في المعركة على موطئ القدم الذي انطلقت منه المقاومة والجيش السوري»، داعياً إلى تحمّل المسؤولية تجاههم.



«أمن البقاع»... لا بديل من الجيش والقوى الأمنية
تنظيم احتفال تحرير السلسلة الشرقية من التكفيريين، في بلدة العين البقاعية، شكّل مناسبة حتى يُثير السيّد حسن نصر الله ثلاثة هموم بقاعية؛ الأول أمني، وتذكير بأنّ «مسؤولية الأمن هي لدى الدولة والأجهزة الأمنية والجيش. لا يجوز أن يدفع أحد حزب الله، أو أي قوة سياسية، إلى تحمّل مسؤولية أمن المنطقة. هذا يدفع إلى اقتتال عائلي وعشائري… ومن ليس مُستعداً لتقديم التضحيات للحفاظ على أمن الناس، فليعتذر ويُقدم استقالته». وهناك مسؤولية تُلقى على الأهالي أيضاً، «بضبط أفراد وعناصر عشائرهم. وتفهّم تعب ومعاناة الجيش، حين تحصل أخطاء. لا يجوز رفع الغطاء الشعبي عنه، ولا بديل من الجيش والأجهزة الأمنية، لأن هذا ما يريده المجرمون في المنطقة».
الهمّ الثاني إنمائي، فذكّر نصر الله بالمطالبة بإنشاء مجلس إنماء لبعلبك - الهرمل، «ولو أردتموه مجلساً مؤقتاً، بانتظار الهيكلية النهائية. يهمنا الإنماء وأن تُنصف المنطقة». وأكد نصر الله أنّه «سنواصل جهدنا ونُحقق الإنجازات، وحين نصل إلى حائط مسدود، سنعود إليكم لتتحملوا المسؤولية. في ذلك اليوم، سنعتصم حيث يجب، وسيكون صوتكم عالياً».
أما الهم الثالث، فهو صورة المنطقة، «ومن يعمد إلى تشويهها، نتيجة أعمال البعض». طلب نصر الله محاسبة «الأقلام التي تمسّ الكرامات»، وفي المقابل، توجّه إلى العائلات والعشائر بالسؤال: «لماذا السكوت عن الأفراد المسيئين إلى سمعتكم؟».