الساعة تشير إلى الرابعة والنصف عصراً، والسماء على وشك أن تمطر. يُعجّل عسكريو قوى الأمن الداخلي بتسهيل مرور موكب سيارات الوزير جبران باسيل عبر الحاجز الحديدي الأوّل، للوصول إلى مقرّ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في معراب. كان عرّابا التفاهم القواتي ــ العوني، النائب إبراهيم كنعان ورئيس جهاز التواصل في القوات ملحم رياشي، قد سبقا باسيل إلى الاجتماع في مكتب «الحكيم»، بانتظار النائب جورج عدوان، وسيّدة «قلعة معراب» النائبة ستريدا جعجع، بثوبها الأبيض. هناك، حيث سيطلّ رياشي بعد قليل من على المنبر، ليمهد لـ«اليوم التاريخي»، بإعلان جعجع دعمه ترشيح رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية.
تشقّ الطريق المرتّبة مداها وسط غابة من أشجار السنديان الكثيف، وتنتهي عند حاجز ثانٍ، هو المحطّة الأولى في سياق الإجراءات الأمنية المشدّدة، التي تشتهر بها القلعة إجمالاً. يركن الضيوف سياراتهم، يخضعون لتفتيش دقيق بانتظار المركبات القواتية التي ستقلهم إلى «فوق»، حيث الاجتماع، والمؤتمر الصحافي، و«الترشيح»، الذي سينتهي بعد ساعات بأنخاب الشامبانيا.
لم يعد من حاجة إلى البذلات العسكرية الرسمية هنا. عشرات القواتيّين يحرسون المقرّ بثيابهم «الكاكية» و«الفيلدات» السوداء والبنادق الحربية، مع لطافة في استقبال الضيوف، تضاهي تلك التي تقدّمها مديرة المكتب الإعلامي لـ«الحكيم» أنطوانيت جعجع.
«الأَمنِيَّات» لم تنتهِ بعد. يُسلّم الضيوف هواتفهم، وعلى يمين البوابة السوداء الضخمة للمقرّ، مدخل صغير يعاد فيه التفتيش بدقّة أكبر.
عشرات القواتيّين يحرسون المقرّ
بثيابهم «الكاكية» والبنادق الحربية

في صدر القاعة أرزة «قواتية» تطوّقها دائرة حمراء مع خلفية من الحجر الصخري. المكتب المجاور تابع للمكتب الإعلامي، ومخصّص لاستضافة الإعلاميين والصحافيين. أكثر من سبعة عاملين يعاونون أنطوانيت، بعضهم منتدب من «جهاز التواصل»، جُلّ همّهم أن «لا يزعل» الإعلاميون، بالإضافة إلى عناية دنيز طوق شقيقة ستريدا جعجع بالضيوف. لكن لا عجب، تعترف أنطوانيت بأن «الجزء الأكبر من معارك اليوم هو لعبة الإعلام»: أربع كاميرات وُضعت لتزويد محطّات التلفزة بالبثّ المباشر، بالإضافة إلى سيارتي نقل حيّ «أس. أن. جي». «اسم الله، في ميزانية منيحة، ماشية أموركم؟»، تبتسم أنطوانيت، قبل أن تُقسِم إن واحدة من سيارات النقل الحيّ قدّمها أحد الأصدقاء مجاناً، والكاميرات مجاناً، والمصوّر الأساسي ومساعده متطوّعون! على بُعد أمتار، ينتظر الحاضرون في مكتب الحكيم وصول عون، بعد «الميّولة» إلى بكركي، ولقائه البطريرك بشارة الرّاعي.
وجه المستشارة الإعلامية لباسيل نانا الفيصل يفيض سعادةً وهي تترقّب وصول «الجنرال»، مكرِّرةً إبداء إعجابها بتنظيم أنطوانيت وتوزيعها الأدوار على فريق عملها. ولولا حماسة الزميلة دنيز رحمة مراسلة قناة «أم. تي. في» وفرحها العامر بـ«العرس» الدائر في معراب، لفازت دنيز طوق، بالجائزة الأولى للأكثر ابتهاجاً يوم أمس، لأن «المسيحيين مجتمعون».
يشتدّ المطر والصقيع في الخارج. ومن دون سابق إنذار، يطلّ سمير جعجع على القاعة الخارجية، ومعه ستريدا وباسيل وعدوان و«مهندسَي الاتفاق» رياشي وكنعان، دقائق ويصل الجنرال. لا يفوّت جعجع شيئاً، يراقب الأحوال العامّة، ليلاحظ أن الإعلاميين منتشرون بشكل عشوائي. «الصحافيي لَوَرَا» يقول الحكيم، ويهرع المسؤلوون للتنفيذ. يصل عون إلى أحضان جعجع، يرافقه منسّق التيار بيار رفّول.
القاعة السفلية ممتلئة فوق طاقتها، ومع ذلك منظّمة بشكل دقيق. الجدران تغطّيها لوحات مرسومة لأعلام لبنانية وقواتية عُلّقت خصيصاً قبل أيام للمناسبة، فالإعداد لإعلان الترشيح بتفاصيله بدأ منذ صباح الجمعة الماضي. أكثر من 200 قواتي من مسؤولي الحزب يملأون الكراسي، والمنبر ينتظر المرشَّح والمرشِّح. يسير باسيل وستريدا جنباً إلى جنب على وقع التصفيق إلى كرسيَّيهما في الصف الأوّل، قبل أن يسلك عون وجعجع الطريق إلى المنبر. و«حيث لا يجرؤ الآخرون»، يتلو جعجع خلاصة كلمته بإعلان ترشيح عون، قبل أن يقرأ الأسباب الموجبة للخلاصة، ثمّ النقاط العشر التي اتفق عليها الطرفان، في ما يشبه «البرنامج الرئاسي». يعلو التصفيق في القاعة، من يُصدّق؟ القواتيون يهتفون بحياة قائدهم بصوت واحد «حكيم... حكيم»، لأنه رشّح عون!
حان وقت الاحتفال. في الطريق من القاعة إلى الغرفة المجاورة، لقطع قالب الحلوى الأبيض المزيّن بالأعلام اللبنانية، يهمس جعجع وسط الزحام في أذن زوجته، لتنتبه إلى السلك الكهربائي البرتقالي الممدّد بين قدميها على الأرض. تدور الكؤوس وتُرفع الأنخاب، يسأل جعجع عون: «شو بدنا نعطي ملحم وإبراهيم»، يردّ عون ممازحاً: «في معركة المالكية، قال فؤاد شهاب إنه سيعطي صليباً خشبياً للذين يستشهدون، وبرونزياً للذين يرجعون أحياء»... ثم يقول الحكيم: «تفضّل... انتظرنا كل هذه السنوات، ليصالحنا «كثلوكي» (مشيراً إلى رياشي)».
بعد «التحالف الثلاثي» في عام 1968، الذي واجه فيه الرئيس كميل شمعون ورئيس حزب الكتائب بيار الجميّل وعميد الكتلة الوطنية ريمون إده، «النهج الشهابي» في الانتخابات النيابية، سرت «مرويّة» في كسروان أن تمثال سيدة حريصا استدار ونظر إلى الصور التي تجمع الزعماء الثلاثة، كدليل على تأييدها التحالف. ومن يومها، لا أنباء عن استدارة جديدة للسيدة. لعلها تنتظر إلى حين تعليق صُور الحليفين الجديدين!




"الوصايا العشر" لـ"البرنامج الرئاسي"
ذكّر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، خلال إعلانه دعم ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون يوم أمس، بأبرز نقاط ورقة إعلان النوايا الموقّعة بين التيار الوطني الحرّ والقوات في حزيران 2015. وعدّد جعجع عشرة نقاط هي: (...) الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف، (...) دعم الجيش معنوياً ومادياً وتمكينه وسائر القوى الأمنية الشرعية من التعامل مع مختلف الحالات الأمنية على الأراضي اللبنانية (...)، اعتبار إسرائيل دولة عدوة، والتمسك بحق الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم ورفض التوطين واعتماد حل الدولتين ومبادرة بيروت 2002، ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية في الاتجاهين، وعدم السماح باستعمال لبنان مقراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين، احترام قرارات الشرعية الدولية كافة والالتزام بمواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، العمل على تنفيذ القرارات التي تمّ التوافق عليها في طاولة الحوار الوطني، إقرار قانون جديد للانتخابات يراعي المناصفة الفعلية وصحة التمثيل.
بدوره، شكر عون القوات على قرار دعم ترشيحه، مؤكّداً أن «الورقة السوداء انتهى دورها ويجب حرقها»، آملاً أن «تتم عملية انتخاب رئيس الجمهورية بخير في المستقبل القريب، ونحن نعد بأن نكون غطاءً لجميع اللبنانيين، باعتبار أننا لم ولن نتعامل بكيدية مع أحد حتى في صلب مرحلة الخصومة».