الأزمة الحالية في البلاد تمنح صدقية لنظرية المؤامرة السائدة شعبياً عن العلاقات بين القوى السياسية في البلاد. تقوم تلك «النظرية» على قناعة بأن القوى السياسية المشاركة في السلطة (بجناحيها التشريعي والتنفيذي) متفقة على تقاسم المغانم، وانها عندما تختلف فإنما هي تكذب على الناس. يُقال عن تلك النظرية إنها ساذجة وبلهاء، بالعموم. لكن في العمق، فيها القليل من الصحة. تجربة ما بعد الطائف (كما تجربة ما قبله، التي لا تقل سوءاً) تثبت ذلك. والأزمة القائمة منذ الثلاثين من حزيران (اشتباك «البساتين») تزيد الناس قناعة بأن سياسيي الطبقة الحاكمة مختلفون على لا شيء. مختلفون من اجل الاختلاف لا أكثر. يكاد ينقضي نصف ولاية رئيس الجمهورية، ولم يُنجَز شيء لتحسين حياة الناس. الوصاية الأميركية على قطاعنا المالي تزداد صلافة. أحوال بيئتنا من سيئ إلى أسوأ. اقتصادنا يترنّح. ماليتنا العامة تتدهور. ميزاننا التجاري نحو مزيد من الاختلال. بطالتنا تتفاقم. أحوال الناس الاقتصادية والاجتماعية أضحت على حافة انفجار لن يأتي (للأسف). لا يمكن أي جهة في السلطة ان تذكر ثلاث قضايا، ثلاث لا أكثر، تمكّنت فيها من تحسين حياة الناس في السنوات العشر الأخيرة. إذا استثنينا الأمن والتحرير الثاني (على عظمتهما)، لا إنجاز يُذكر. والانجازان الأخيران ما كانا ليُبصرا النور لو ان قرارهما كان «بيد الدولة». 10 سنوات، واكثر، والبلاد تنزلق في مسار تراجعي، من دون أن يقدر أي فريق سياسي، أي حزب، أي عشيرة، أي مجلس بلدي، على القول إنه أنجز أمراً ما غيّر حياة الناس نحو الأفضل.حسناً. علامَ يختلفون؟ عملياً، لا شيء. لا احد منهم يجرؤ على الخروج من التسوية التي أوصلت العماد ميشال عون إلى بعبدا وحفظت للرئيس سعد الحريري عرش السرايا. طيب. إلى متى هم مستمرون في ملهاتهم هذه؟ لا أحد يعلم. ثمة من العبثية ما يجعل أي عبثيّ يحسدهم على نعيم عبثيّتهم. جميعهم يدركون أن لا شيء سيتغيّر نحو الافضل. لا شيء، إلا في بعض الهوامش. حتى صاحب المصلحة في نجاح العهد الحالي، جبران باسيل، يتعامل معه بصفته مرحلة لتجميع النقاط التي ستمكّنه من الوصول إلى بعبدا، أو الإمساك بزعامة المسيحيين، لا ساحة تغيير وإصلاح. علامَ يتنازعون؟ على لا شيء.