فعلها سمير جعجع وأوقعَ سعد الحريري في «شرّ» مخطّطاته. الأخير بات محشوراً في زاوية الخيارات الصعبة والمحدودة. لن يشرب نخب نجاح مبادرته «بدعم أحد صقور فريق الثامن من آذار للرئاسة». بل سيتجرّع كأس مرارة تجاوزه لحلفائه في فريق 14 آذار. يحق له أن يعتبر الأمس يوم «نكسة». فبعدما كان قادراً في الماضي على الخروج فائزاً من تحالفه مع عون، وضعه "حليفه" المسيحي أمام خيارين، أحلاهما مرّ: إما أن يسير مرغماً في خيار ترشيح عون من دون ضمانات مسبقة مع تكريس جعجع صانعاً للرؤساء، أو يرفض المبادرة مع كل ما يحمله هذا الرفض من إحراج مواجهة "الوحدة المسيحية الجديدة".
لا أحد في تيار المستقبل كان مقتنعاً بأن «حليف ثورة الأرز» سيذهب في «تهوّره» بعيداً إلى حد ترشيح عون. كثيرون قبلهم ظنوا أن التلويح بهذا الخيار سيبقى تلويحاً تطويه «الأنا المارونية بالحلم الرئاسي». تصريحات نواب التيار ووزرائه تؤكّد ذلك، ويؤكده أيضاً كلام رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة عن «الرئيس الوطني لا المسيحي»، إثر زيارة «التوسّل» إلى بكركي في الساعات الأخيرة قبل إعلان الترشيح، للطلب إلى البطريرك بشارة الراعي «فرملة الاندفاعة المارونية ـــــ المارونية». لم يكن السنيورة، ولا أحد من زملائه، يريد أن يرى الحقيقة، وهي أن «التحالف بين عون وجعجع تخطّى نقطة الرئاسة إلى ملفات أوسع وأعمق». التعامي عن هذه الحقيقة دفعه، قبل ساعات قليلة وبعدما بات الجميع في جو ما سيحدث في معراب، إلى التصريح من بكركي بأن «انتخاب الرئيس يعني جميع اللبنانيين، وليس فقط المسيحيين». بكلمات أخرى، استبق الفعل بردّ فعل مفاده: «أي رئيس لا يحظى بمباركة الطرف السني لن يكون قادراً على الوصول إلى بعبدا»، ناسفاً بذلك كل كلام تياره ورئيسه سابقاً عن الموافقة على «أي رئيس يتفق عليه المسيحيون».
بالنسبة إلى تيار المستقبل «وقع الضرر». أما السؤال بعد الحدث الاستثئاني أمس: ماذا بعد، وماذا سيكون موقف الرئيس الحريري؟
سيتمسّك الحريري بمبادرته لأنه شريك في تظهيرها وليس بإعدادها

تختصر مصادر التيار المشهد بالآتي: «هو أول اتفاق مسيحي فعلي يحصل بعد طول انتظار ومخاض». وهذا تحول «لا يُمكن تيار المستقبل أن لا يباركه، لكنه لن يؤيّد هذه المصالحة في نقطة ترشيح عون». هذه الخلاصة هي «لبّ الموقف الذي ستعلنه كتلة المستقبل بعد اجتماعها اليوم، في انتظار ردّ الحريري».
في السياسة، في المستقبل من يرى أن ما فعله جعجع هو «ترشيح كيدي بعنوان سياسي»، وخصوصاً أنه «لن يخرج رابحاً من هذا الترشيح، فليس لدى عون ما يقدّمه له على خلاف كل ما يُشاع». وما حصل ليس ردّ فعل على «ترشيح فرنجية فقط»، بل هو «تراكم نشأ نتيجة ما اعتبره جعجع ضربات من الحريري، بدءاً من زيارة الأخير السابقة لسوريا، مروراً بانفتاحه على عون سابقاً، وصولاً إلى ترشيح فرنجية». بحسب المصادر «فاضل جعجع بين الدعم الذي تلقاه مراراً من السعودية ووجوده السياسي الذي اعتبر أن ترشيح فرنجية يهدّده لأن مجرّد الترشيح بالنسبة إليه هو إعدام سياسي». وقد اختار «المصالحة المسيحية دفاعاً عن حضوره». وهذه المصالحة «أفادت عون تكتيكياً ومرحلياً، لكن جعجع حصد فيها الكثير». فهو أولاً «حاول إظهار نفسه بطريرك المسيحيين»، وثانياً يراهن «على الثمن الذي سيقبضه في الشارع المسيحي عموماً، والشارع العوني خصوصاً».
ماذا إذاً عن الردّ الحريري؟ لا معلومات مؤكدة عند المستقبليين حول جو الرئيس الحريري في الرياض. لكن البوصلة تتجه أكثر نحو «تمسّكه بمبادرته لأنه شريك في تظهيرها وليس في إعدادها». هذا ما تقوله مصادر التيار التي تؤكّد أن «الفيتو السعودي على ميشال عون لا يزال قائماً». أما محلياً، فيراهن المستقبل على محظورات تقف عقبة أمام وصول عون إلى الرئاسة. الأولى أن «المكونات على ضفتي 8 و14 آذار لن تسمح لجعجع بأن يكون صانعاً للرؤساء أو متحكّماً بالملف الرئاسي». ثانياً، أن «المكون السني لن يقبل بأن يطيح جعجع مبادرة الرئيس الحريري». ثالثاً «المحظور الجنبلاطي، حيث لا يزال النائب وليد جنبلاط شريكاً أساسياً لتيار المستقبل». رابعاً «المسيحيون المستقلون الذين لن يكونوا قادرين على دعم عون مرشح جعجع الذي حاول إلغاءهم في عدد من المحطات». أما المحظور الخامس والأهم، فهو المتعلّق بموقف رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي «تحدث عن دخول الملف الرئاسي مرحلة التجميد، قبل أن يعلن إعطاء نوابه حرية الاختيار كما فعل مع ترشيح جعجع سابقاً، وهذه إشارة إلى رفضه وصول عون إلى الرئاسة».
في الخلاصة، خطا جعجع خطوة باتجاه بناء حجر إضافي في الجدار بينه وبين الحريري. أما موقف الأخير، فسيبقى رهن المشاورات التي سيعقدها مع صقور تياره في الرياض، ليبني على الشيء مقتضاه. فإما أن يردّ الصاع صاعين للحليف المسيحي... وإما الترحيب بالترشيح على أمل أن «يبقى معلقاً بالهواء كما هو حاصل مع ترشيح فرنجية».