بذلك تضيف حادثة قبرشمون حجة اضافية لتكريس الامن بالتراضي، وتُحدث بدورها قضاء بالتراضي، حينما تصر المرجعيات السياسية على حماية مسلحيها، ترفض تسليمهم، وتملي على القضاء اي درجة من المحاكم يقتضي امامها ان تمثل الجريمة او لا تمثل.
مع ان ملف الحادثة هذه احيل البارحة الى المحكمة العسكرية للنظر فيه، الا ان من غير المؤكد ان الجانب القضائي في النزاع الدرزي - الدرزي يحل الجانب السياسي الذي يصعد في تشنجه الى حادثة الشويفات وانتخابات 2018. بالتأكيد لا مؤشرات واضحة بعد الى قرب المصالحة بين الطرفين، اضف ان نزاعهما مكنهما من الانتقال به الى مجلس الوزراء وتعطيل اجتماعاته، بعدما اضحى لكل منهما مؤيدون في وجهة نظره. لا يزال النائب طلال ارسلان يتمسك بالاحالة الى المجلس العدلي. برفضه هذا يجعل الاحالة الى المحكمة العسكرية غير ذات قيمة قضائياً، وترفع من وتيرة التصعيد السياسي، وقد لا يكون مؤكداً استرجاع مجلس الوزراء جلساته قريباً. ستكون المحكمة العسكرية امام متهمين ماثلين ومتهمين فارين.
حتى قبل اندلاع حادثة قبرشمون في 30 حزيران، كانت ثمة آمال بمصالحة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع ارسلان لطي صفحة حادثة الشويفات، من ان تتوافر حينذاك ادلة حسية على اكتمال هذا الهدف. بعض الاتصالات التي تولاها وسطاء بينهما حينذاك اصطدمت بعقبات كانت كفيلة بتعثر المصالحة، تحت وطأة الشروط المتبادلة واصرار كل منهما على الحل الذي يرضيه، على نحو مطابق لما يحدث الآن في معالجة حادثة قبرشمون. مع ان كليهما في حاجة ملحة الى المصالحة تلك. طلب ارسلان من جنبلاط التنازل عن الحق الشخصي في حادثة الشويفات، مع استعداده دفع ديّة ضحية الشويفات اذا اقتضى الامر، على ان لا يصير الى توقيف المتهم الرئيسي الفار امين السوقي «وإن ليوم واحد».
ما لم يسلّم ارسلان بها، المحكمة العسكرية امام متهمين ماثلين وآخرين فارين
رفض جنبلاط المقايضة قبل ان يصير الى تسليم السوقي نفسه الى القضاء، من ثم يُنظر في اسقاط الحق الشخصي ويُعد للمصالحة الدرزية - الدرزية. مع تأكيده حينذاك انه لا يريد «دماً درزياً في الشارع». وصلت الفكرة الى رئيس الجمهورية ميشال عون بعدما حمل الوزيران اكرم شهيب ووائل بوفاعور اقتراح اسقاط الحق الشخصي المشروط، على ان يتولى القضاء التحقق من مسؤولية المتهم.
بوقوع حادثة قبر شمون على الاثر - على نحو بدا مكمّلاً للتشنج الدرزي - الدرزي كأنه ينتظر شرارة ما بين انصار الرجلين، قبل ان تضاعف في وطأته وتفجّره زيارة الوزير جبران باسيل لعاليه وتالياً المواقف التي ادلى بها وصولاً الى تذكيره باحداث 1840 والامير بشير الشهابي - تيقن جنبلاط من ان مسلسل التصعيد ماضي ضده. طوى صفحة المصالحة المحتملة في الشويفات مع كل الرسائل المتنقلة بينه وارسلان، وبات امام واقع جديد.
خلافاً لما فعل على ابواب حرب الجبل عام 1983، عندما اقرن التهديد الوجودي لطائفته من خصومها على ارضها بحمل السلاح، معولاً حينذاك على ظهيرين سوري وفلسطيني اتاحا له ان يرسم حدود امارته، استعاد اخيراً فكرة التهديد الوجودي لكن بلا سلاح مأذون به. قال وغرّد ولا يزال، انه تحت سقف القانون والقضاء، ويكتفي باحتجاج شارعه. لا يزال بعض المحيطين به يسمعونه يقول: «طوَّقوني». احياناً، بكفّيه، يرسم صورة الطوق من حول عنقه: «لكنني سأواجه. لو بقيت لوحدي سأكمل».
يصبح طبيعياً عندئذ ان الرجل، الذي اضحى بلا ظهير سوري وفلسطيني، وبلا ظهير سنّي موثوق به خصوصاً اعتاد عليه كما والده، لا يسع احدا ان يتركه وحيداً. لا الرئيس نبيه برّي، ولا الحريري ظاهراً في الغالب، بل ايضاً حزب الله. كذلك فحوى ما عاد به بوفاعور من زيارة الساعات القليلة للرياض قبل أسبوعين، ومقابلته مدير المخابرات السعودية خالد حميدان.