في جلسة مناقشة الموازنة أمس، ألقت النائبة عناية عز الدين، بصفتها رئيسة للجنة المرأة والطفل النيابية، كلمة لافتة، طالبت فيها بتعديل قوانين الأحوال الشخصية، بما يضمن حماية المرأة والطفل. في ما يأتي أبرز ما ورد في كلمة عز الدين:انطلاقاً من موقعي كرئيسة للجنة المرأة والطفل النيابية، أود طرح موضوع لا يقل أهمية عن موضوع الموازنة، ويشكل محل اهتمام لدى كل اللبنانيين بعد حدوث سلسلة من الحوادث الاجتماعية الخطيرة، وهو قضية حماية المرأة اللبنانية واحترام حقوقها.
دولة الرئيس، أيها الزملاء
إن هذه المسألة يجب أن تكون في مقدمة أولويات الحكومة والمجلس النيابي، وأن يرصد لصالحها كل الدعم التشريعي وما يترتب عنه، لأن احترام حقوق النساء هو الشرط الأساسي لحماية الأسرة التي تشكل نواة المجتمع الرئيسي ومفتاح التنمية والازدهار.
واليوم في ظل المطالبات المتعددة حول قوانين الأحوال الشخصية، أرى لزاماً عليّ أن ألفت نظر الحكومة والزملاء النواب إلى أن المطلوب العمل المستمر من أجل تجديد قوانين الأحوال الشخصية وتطويرها، بما يؤمّن أكبر قدر من العدالة في معالجة قضايا المرأة. كما أود أن أطالب وأتمنى على الزملاء النواب المسارعة إلى مناقشة والبتّ باقتراحات ومشاريع القوانين المتعلقة بالمرأة والمحالة على اللجان كي يصار فيما بعد إلى تحويلها إلى الهيئة العامة (مثلاً قانون الحقوق المدنية، وتعديلات لإزالة التمييز ضد المرأة في قوانين الضمان الاجتماعي).
إن الأسرة تحتاج إلى رعاة قبل القضاة، وإلى مرشدين وحقوقيين قبل رجال الأمن والقانون.
لذلك أقترح (وأنا أعمل على وضع اقتراحات قوانين حول هذه المسألة) إيجاد هيئات خاصة لرعاية الأسرة تقوم بمساندة المحاكم المدنية والشرعية في قضايا الزواج والطلاق والحضانة.
وأن تتولى هذه الهيئات تقديم النصيحة للزوجين في كيفية معالجة شؤونهما وتقييم وضعهما النفسي والتربوي ومدى أهليتهما في إدارة شؤون الأسرة، وتحاول إيجاد الصيغ لافتراق سليم وآمن عند الضرورة بين الزوجين، مبني على التفاهم والود والاحترام. وتساعد المحاكم في اتخاذ قرارها القضائي في فضّ النزاعات الأُسرية.
أما بخصوص قوانين الأحوال الشخصية، فأود في البداية وبكل هدوء أن أؤكد، وأنا الفخورة بإيماني والتزامي، والآتية من مدرسة اعتقادها راسخ وبالدليل والفهم الصحيح بأن كافة الأديان السماوية الإلهية أتت لتعزيز كرامة الإنسان وحقوقه، وأن الكثير من الالتباسات والارتكابات إنما تحدث بسبب التطبيقات الخاطئة والممارسات الملتبسة لدى بعض العاملين في هذا المجال، حالهم في ذلك كحال بعض القضاة الآخرين في المحاكم المدنية.
ونحن عندما ندعو إلى إصلاحات وتعديلات ما في قوانين الأحوال الشخصية لا نقصد الاصطدام بالأديان أو التشكيك بها، بل على العكس من ذلك نرى أن إجراء هذه التعديلات يصون الروح الإيمانية ويعزز علاقة الإنسان بعقائده ودينه.
دولة الرئيس، لقد جاء في القرآن الكريم:
بسم لله الرحمن الرحيم
«لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده» صدق الله العظيم
لقد أجمع الفقهاء والمفسرون على اعتبار هذه الآية الكريمة دعوة صريحة إلى ضرورة عدم إيذاء الوالدة والوالد على حد سواء عبر حرمانهم من أولادهم رعاية وحضانة ورؤية وعاطفة، وهي قاعدة يفترض أن تكون حاكمة على كافة قوانين الأحوال الشخصية المتعلقة بحضانة الأطفال،
على أن يكون الاتجاه في ذلك ضمن أربعة محددات:
أولاً: تأمين أكبر قدر من الشراكة في احتضان الأطفال بين الوالدين، بما يؤمن التوازن العاطفي لهم،
ثانياً: مراعاة حاجة الطفل الدائمة والخاصة لعنصر الأمومة،
ثالثاً: الأخذ بالاعتبار الأهلية التربوية والنفسية للوالدين في موضوع الحضانة (لا يعقل أن يُعطى أب يتعاطى المخدرات مثلاً أو لديه انحراف أخلاقي ونفسي حق الحضانة... وتحرم الأم المتزنة والمتوازنة والحكيمة هذا الحق. والعكس صحيح).
رابعاً: التشدد في معالجة محاولة حرمان أحد الوالدين للآخر حقه في الأبناء والإخلال بالشراكة في الحضانة والرعاية واتخاذ الإجراءات الضرورية التي تلزم كلاً منهما باحترام حق الآخر في ذلك (وأشدد على هذه المسألة بأن يكون هناك إلزام للوالدين باحترام الحكم القضائي).
إن الأبواب الفقهية لدى المسلمين مفتوحة، وليست مغلقة، وأكتفي بالإشارة إلى تعدد آراء الفقهاء حول سنّ الحضانة، لاعتباره دليلاً على إمكانية إجراء التعديلات تحت سقف الشريعة السمحاء ودون المساس بها.
لقد حان الوقت لهذا التجديد رحمةً بأسرنا وحفاظاً عليها ودعماً للمرأة وتعزيزاً لروح العدالة والمساواة وحماية لحقوق الطفولة والإنسان.
وبناءً عليه، وانطلاقاً من معرفتي باهتمامك الشديد يا دولة الرئيس بقضايا المرأة وضرورة إنصافها، وإيمانك بأنه لا يمكن أن يكون المجتمع بخير إذا لم تكن المرأة بخير.
أتقدم منك بطلب رعاية تشكيل هيئة تضمّ كل المعنيين، وخاصة ممثلي المؤسسات الدينية والمرجعيات والحقوقيين والاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين، ونواباً لوضع أسس الإصلاح اللازمة لهذه المسألة.
دولة الرئيس، إن الكرامة لا تتجزأ. لا يمكن المجتمعَ اللبناني أن يطلب من المرأة اللبنانية أن تنجب له أطفالاً وتربيهم أبطالاً تنضح نفوسهم عزة وكرامة، ويطلب منها في الوقت نفسه أن تجد نفسها، وللأسف عند أول مشكلة تواجهها في قضايا الطلاق أو الحضانة، ذليلة مهانة، وهذا ما يجب أن نضع له حداً، وأن يكون على رأس الأولويات الحكومية والنيابية والاجتماعية.