في كل مرة تقود الأحداث السياسية الى توترات طائفية وانقسام عمودي في البلد، تعود قاعدتا تيار المستقبل والتيار الوطني الحر الى ما كانتا عليه قبل التسوية الرئاسية. العلاقة التي توطّدت منذذاك بين رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل من جهة، والحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون من جهة أخرى، لم تحل دون «تعارك» الجمهورين عند كل محطة سياسية متشنجة؛ وكأنهما لم تخرجا أبدا من اصطفافي 8 و14 آذار. حادثة قبرشمون الأخيرة التي ذهب ضحيتها مرافقا الوزير صالح الغريب لم تكن استثناء. اذ دعم التيار الأزرق موقف الحزب الاشتراكي بدءا ًبالحريري مرورا بمستشاريه ونوابه وصولا الى مسؤولي الأقضية والمؤيدين. وفي الوقت نفسه، كان باسيل يمنح الجناح الحريري المعارض للتسوية الأسباب الموجبة لابعاد رئيس الحكومة عن التيار الوطني الحر وحلفائه، خصوصا بعد الاجتماع الوزاري الذي عقده باسيل في الخارجية وأدى الى تعطيل الجلسات الحكومية.منذ مدة، لم تعد علاقة الحريري وباسيل على ما يرام. بقي رئيس الجمهورية هو الخط الجامع بين الطرفين. فرئيس الحكومة يحتفظ بتقدير لموقف عون عند اختطافه في الرياض والجهود التي قام بها لافشال مخطط اقالته رغما عنه. «غير أن خطاب باسيل وأداءه السياسي اليومي، والممارسات العونية بشكل عام في كل ما يختص بالدولة، تؤكد أن الأخير يسعى الى تحجيم تيار المستقبل وتقوية صلاحياته على حساب صلاحيات رئاسة الحكومة»، تقول مصادر مقربة من الحريري. وتشير الى أن رئيس التيار الوطني الحر لم يقم بأي خطوة لتقريب المسافة بين الجهتين أو بين الجمهورين، لا بل ك«ل ما يفعله يساهم في زيادة الترسبات والسلبيات». فالكلام العوني «عن الطائفة السنية لا يزال راسخا في ذاكرة القاعدة المستقبلية، ويتردد يوميا بشكل ضمني على لسان باسيل وآخرها في البقاع الغربي». أضف الى ذلك أن عون هو من «أمّن الغطاء لحزب الله في 7 أيار وهو من يشرعن سلاحه مذذاك». ويحمّل التيار، من جهة اخرى، «ربط الحريرية السياسية بالفساد وسرقة أموال الدولة الى التيار العوني الذي أصدر كتابا بهذا الشأن، وصولا الى تصاريحه العدائية تجاه رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ورئيس شعبة المعلومات الراحل وسام الحسن». في الأصل، لم يصدق المستقبل يوما أن نية باسيل صافية تجاه رئيسه، على ما تقول المصادر، بل كان دائما «الرجل المدفوش من حزب الله لأكل مكتسبات السنة واذلال الحريري. وهو ما لم ينفه جبران نهائيا بل يثبته كل يوم أكثر وأكثر. محاولة تغيير مدير عام قوى الأمن الداخلي مثال، السعي للتحكم بجلسات مجلس الوزراء مثال آخر، وتعطيلها مثال ثالث». وصل الأمر الى حدّ تفضيل بعض المقربين من الحريري اقامة تسوية مع حزب الله لوقف تصاعد نفوذ باسيل: «صار حزب الله الكحل، والباسيلية السياسية هي العمى». والواضح أن مستشاري الحريري ودائرته الضيقة، كما نوابه، استغلوا الخلاف على احالة جريمة قبرشمون الى المجلس العدلي وتصعيد باسيل وصولا الى تعطيله وحلفائه جلسات الحكومة، لتحقيق ما كانوا يحلمون به منذ 3 سنوات: تعكير العلاقة بين الرجلين. هؤلاء لا ينكرون الأمر، بل يجاهرون به كتصريح عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل مصطفى علوش بأن «إمكانية استمرار التحالف باتت معقدة (…) لذلك، إعادة نوع من التوازن في العلاقات مع الأطراف الأخرى، التي ليست بالضرورة على وفاق مع باسيل، تبقى ضرورية (...) لاقامة نوع من التوازن». سبقت ذلك عدة تصريحات لنواب وأعضاء في الكتلة تتهم وزير الخارجية بتوتير الجبل وتندد بزيارته الى طرابلس و«استعادته لغة الحرب». وهناك من يقول إن باسيل ساهم، بطريقة أو بأخرى، في تذليل كل العقبات المتراكمة بين الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط بضربة واحدة، رغم أن ما انكسر بينهما كان يحتاج لقوة اقليمية أو مبادرة استثنائية لإعادة لحمه.
يقول العونيون إن بعض المتضررين من علاقة الحريري - باسيل يستغلون الظرف اليوم لاسقاط تسويتهما


على المقلب العوني، الجمر كان موجودا ويحضر البعض له بانتظار اللحظة المناسبة لاشعاله، وهؤلاء لم يتوقفوا عن محاولة التفريق بين الرجلين منذ 3 سنوات. فالمتضررون من التسوية الرئاسية كثر، «رغم معرفتهم المسبقة أن التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية هما صمام أمان للحريري ولرئاسة الحكومة. فالواقع الذي يعرفه الجميع، كما الحريري، أن الأخير بحاجة الى تحالف محلي مع طرف مسيحي قوي بمعزل عن التحالفات الاقليمية». وفي هذا السياق، «دعم باسيل أساسي وتوافقه مع الحريري في مختلف الاستحقاقات الداهمة، الماضية والمستقبلية، ضروري للقيام بالدولة. لكن هناك من يسوّق لسوء العلاقة وسلبياتها متهما التيار باضعاف رئيس الحكومة حتى يحقق مشروعه الفعلي، أي الحلول مكانه. فبعض المقربين منه كما المتضررين من ابعادهم خصوصا بعد حادثة الرياض، يعتقدون أن التحريض على باسيل وتحريف كلامه كما حصل في البقاع الغربي ومن أمام دار الفتوى، يعيد اليهم الثقة ودورا فقدوه». وبالنسبة للعونيين، «ما سمي بالتسوية الرئاسية يحمل أبعادا وطنية وتم بمشاركة اكتر من 90% من ممثلي الشعب اللبناني. لذلك لا يمكن لقوة افشالها لأنها ضرورة ولو حصلت بعض الخربشة على ضفافها». على المقلب الشعبي، «عدم توافق الرؤية السياسية بين القاعدتين يحمل بعدا اجتماعيا نتيجة غياب المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والوطنية المشتركة». فالمشروع يدمج تلقائيا في اطار واحد هو الدولة، وفقا للمقربين من باسيل، ويساهم في تبديد الطائفية. وذلك هو «أساس حديث باسيل خلال جولاته وتأكيده على ضرورة الانفتاح تحضيرا لبناء مشروع مشترك يجتمع حوله اللبنانيون رغم اختلافاتهم الطائفية، ويوصل يوما ما الى الدولة المدنية».
في النتيجة، التوتر القائم بين الحريري وباسيل بات أمر واقعا، ومؤشر الى توتر أوسع مقبل بين الشارعين في ظل الخطابات السياسية والتحولات الاقليمية. لكن أحدا من الطرفين لا ينكر أن «تسوية الحريري - باسيل - رئيس الجمهورية» تحول دون الانفجار السياسي والطائفي؛ لذلك تحظى ضمنيا بمباركة حزب الله وحتى رئيس مجلس النواب نبيه بري. ويشير احد النواب في تكتل «لبنان القوي» الى أن العلاقة بين الرجلين لن تتطور يوما لتصبح شبيهة بتفاهم مار مخايل في غياب السعي الجدي لتحويل التسوية الى ثقافة داخل المجتمعين». لذلك لا يمكن لهذا التحالف أن يتخطى المصالح المشتركة التي جاءت به، لا سيما أن «المعجزة التي أنجزها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس الجمهورية ميشال عون يصعب تكرارها. رغم حدوث خروقات طفيفة بين القاعدتين من حين الى آخر».