تكاد مقدّمات نشرات أخبار تلفزيون المستقبل للأسبوع الماضي تعكس حجم الأزمة التي وصل إليها حال الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل. فمن الهجوم على الزميل قاسم يوسف بسبب مقال، إلى الردّ على النائب نهاد المشنوق واللواء أشرف ريفي، توّج التيار الأزرق الموقف الحريري عبر إعلامه الرسمي، بالردّ في مقدمة نشرة الأخبار أمس على... الإعلامي نديم قطيش، بعدما لمّح إلى احتمال أن يقدّم الحريري استقالته من رئاسة الحكومة.وجاء موقف المستقبل حاسماًَ لجهة أن يترك «المقربّون» من الحريري، كما سمّتهم المقدّمة، «عرض تمنياتهم، وليتركوا له (الحريري) أن يأخذ قراره، الذي لن يكون حتماًً على صورة تلك التمنيّات». وفي دفاعٍ ضد أصحاب الاتهامات من أهل البيت أنفسهم، حول أزمة الحريرية السياسية، قالت المقدمة إنه «لا الحريرية السياسية مأزومة ولا الحريرية الوطنية... والقائلون بذلك يشاركون في حملات الطعن بالحريرية، ويسيئون إلى سعد الحريري... ويسوّقون لحشر السّنة في خانة الإحباط والتراجع كرمى لعيون الباحثين عن أدوار».
لن يكون الهجوم الذي يتعرّض له الحريري حاليّاًَ من أهل بيته أقسى من الاعتداء الذي تعرّض له يوم اختطف في المملكة السعودية وأجبر على تقديم استقالته، بعد إعلانه أمام ابن سلمان عدم قدرته على تفجير لبنان بوجه حزب الله. وليست خافية أهداف هؤلاء الحريريين المباشرة ومحاولات الظهور بأدوار البطولة في الدفاع عن «أهل السّنة» والمزايدة على الحريري على خلفية التسوية الرئاسية. لكن الصالونات السياسية تضجّ في البلاد لمحاولات فهم المواقف المتسارعة وسرّ الهجوم على الحريري ومحاولات إحراجه أمام شارعه أوّلاً، وأمام السعودية ثانياً. فهل تنحصر الحملات على الحريري في إطار المزايدات؟ أم أن المطلوب من فريق الحريريين المتضررين من تسوية الرئاسة ومن الحكومة الجديدة تهيئة الشارع لاصطفافات سياسية جديدة على وقع الضغوط المتعاظمة في الإقليم ضد إيران وسوريا وحزب الله؟
التسوية الرئاسية لم تكن سبباًَ لضعف الحريرية السياسية. بل على العكس من ذلك، لم يكن الحريري ليبحث عن التسوية الرئاسية لولا الضعف الذي أصاب تياره وتيار 14 آذار بأكمله، مع سلسلة الخسائر التي أصيبوا بها على وقع الحرب السورية. ثمّ جاءت الانتخابات النيابية لتكرّس ضعف الحريرية السياسية، إن في تراجع عدد نواب كتلة المستقبل، أو في وصول ستّة نواب سنّة من أخصام الحريرية.
من المتوقّع أن يزور الحريري عون اليوم وبري قريباً لأجل التفاهم على استمرار التهدئة في البلاد


وليس خافياً أيضاً أن التسوية الرئاسية وتجديدها ما بعد الانتخابات النيابية، كانا أفضل الخيارات بالنسبة إلى الحريري، الذي انتهى أعظم أهدافه إلى البحث عن كيفية العودة إلى رئاسة الحكومة، وتحصيل بعض الموارد من التفاهمات مع الوزير جبران باسيل...
ومع أن حالة الإرباك تسيطر على الفريق اللصيق بالحريري وعدم معرفة هؤلاء بكيفية ردّ رئيس الحكومة على الحملات التي يتعرّض لها، إلّا أن أجواء هؤلاء وردّ المستقبل، يؤكّدان أن الحريري ماضٍ في التسوية الرئاسية وسيتجاوز كلّ أمنيات الساعين إلى إحراجه لإخراجه، أو دفعه إلى التصعيد بوجه عون. وبحسب المعلومات، فإن الاتصال الذي جرى بين الحريري والرئيس ميشال عون، بمناسبة عيد الفطر، حمل إشارات إيجابية على ضرورة التهدئة الإعلامية بين المستقبل والتيار الوطني الحرّ. وفيما يعود الحريري إلى نشاطه اليوم، فإن المتوقّع أن يزور قصر بعبدا بعد ظهر اليوم أو على أبعد تقدير غداً الثلاثاء، للوقوف مع عون على آخر التطوّرات، كما من المتوقّع أن يزور الحريري الرئيس نبيه برّي. فرئيس الحكومة يعتبر أن إنهاء ملفّ الموازنة خلال هذا الشهر سيكون صعباً، في ظلّ أجواء التصعيد والتوتّر في البلاد، فضلاً عن انسحاب هذا الاشتباك على ملفّ التعيينات، كما حصل سابقاً مع ملفّ نواب حاكم مصرف لبنان.
وعلى الرغم من أن «القلق» مشروع من أن إحراج الحريري والتضييق عليه قد يدفعه إلى إعادة الاصطفاف في معسكر القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وشبه إحياء لمعسكر 14 آذار على وقع الظروف الإقليمية، إلّا أن الاشتباك الجزئي مع باسيل ومزايدات فريق الحريري، لا يلغيان أن التسوية الرئاسية هي المكسب الأكبر بالنسبة إلى رئيس الحكومة، مع غياب البدائل، فضلاً عن أن الثقة مفقودة مع قطبي 14 آذار، سمير جعجع ووليد جنبلاط؛ فالأول لا يخفي شماتته بالحريري من الاشتباك الأخير مع باسيل، فيما الثاني لا يوفّر فرصةً لاستهداف الحريري إلّا ويستغلّها، ويكاد مضمون تغريداته يشبه إلى حدٍّ بعيد تصريحات المشنوق أو حتى كلام قطيش. ومؤّخراً، لم ينجح المسار الذي حاول جنبلاط فتحه مع الحريري، عبر الوزير وائل أبو فاعور، لأسباب كثيرة، فماتت مبادرات فكّ الاشتباك مع أول تغريدة لجنبلاط حول بلدية شحيم.
من هنا، يبدو حضن الرئيس عون أكثر اطمئناناً للحريري من أي طرح معاكس، خصوصاً أن حزب الله نفسه، وإن بصورة غير مباشرة، طمأن الحريري حيال تمسّكه بالتسوية الرئاسية وضرورة الحفاظ على الاستقرار في البلاد.