لم تتكشّف بعد تفاصيل كامل التحقيقات التي أُجريت مع عدد من سماسرة القضاة والضباط والعناصر الأمنية في فضيحة الفساد القضائي. التحقيقات فُصِبت إلى جئين: الاول، عمل المشتبه فيهم بصورة عامة، ومع الامنيين خصوصاً. اما في الثاني، فخُصِّصت المحاضر لعمل «السماسرة» مع القضاة. حصلت «الأخبار» على الجزء الاول من محاضر التحقيق معهم في القضاء العسكري. وما اطلعت عليه، يكفي للاستنتاج بغياب الجدية القضائية في متابعة هذا الملف. الادعاء على المشتبه في كونهم سماسرة قضائيين يعتبر المنسوب إليهم جنحاً، بحيث دُوِّن في محضر تحقيق كل واحد منهم ما مفاده أنّه «من قُبِضَ عليه متلبِّساً بجنحة التماس أجر غير واجب بقصد التأثير في مسلك السلطات» (المادة ٣٥٧ من قانون العقوبات). والغريب أنّ الادعاء طال الراشي، بحيث غاب المرتشون في كثير من الأحيان. وقد ورد في إفادات المدعى عليهم أنّهم دفعوا مبالغ مالية أو طُلِب منهم دفع مبالغ مالية قبضها ضباط في قوى الأمن الداخلي ومستشارون لشخصيات سياسية، إلا أنّ أحداً من هؤلاء الذين ذُكِرت أسماؤهم لم يتم استدعاؤهم للاستماع إلى إفاداتهم. كذلك لم يتم منح الاذن لملاحقة ضباط زعم السماسرة أنهم كانوا يتقاضون الرشى منهم، فضلا عن عدم طلب الاذن لملاحقة محامين أو رتباء في مديرية أمنية.بيّنت التحقيقات الجارية أنّ هؤلاء السماسرة قبضوا مبالغ مالية من أشخاص مقابل تأمين تراخيص أسلحة وزجاج حاجب للرؤية ورخص حفر آبار إرتوازية وخيم قرميد وغيرها من الخدمات المختلفة. كما يُشتبه في كونهم عمدوا إلى التلاعب بمضمون تحقيقات أمنية وقضائية والاحتيال على القانون والتحكّم بتوقيت تعميم بلاغات البحث والتحري وإخفاء خلاصات أحكام ومذكرات قضائية عن النشرة. كما كان بمقدور بعضهم وقف تحقيقات وتجميد دعاوى قائمة مقابل مبالغ مالية زهيدة كانوا يدفعونها لضباط وعناصر. إضافة إلى قدرة هؤلاء السماسرة على الاستحصال على تصاريح دخول إلى حرم مطار بيروت مقابل مبالغ مالية تُدفع لعناصر في جهاز أمن المطار. وهذا كان يساعدهم في «عرض العضلات» بأنّهم محظيون وقادرون على فعل ما يُريدون. لكن، جرى الادعاء على بعضهم بجرم «التماس أجر غير واجب»، علماً أنّ هكذا ادعاء يكون عادة بحق موظف رسمي، لا بحق سمسار من ذوي الأسبقيات الجرمية.
الأمر لا يتوقف هنا. لقد أحال مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية هذا الملف على المحكمة على أنّه جنحة مشهودة، علماً أنّ عناصر الجنحة المشهودة غير متحققة في هذا الملف لكون معظم وقائعه حصلت قبل أشهر، ولا يوجد أي واقعة حصلت خلال ٢٤ ساعة، فضلاً عن أنّ إفادات الموقوفين فيه تظهر أنّه ملف رشوة يرقى إلى الجناية. وبذلك قُطعت الطريق أمام الادعاء على الآخرين الذين لم يُدعِ عليهم فيه. إذ إنّه لا يحق للمحكمة اصدار مذكرة توقيف، لكون النيابة العامة لم تدعِ على آخرين.