مصير تغيير رئيس ونائب رئيس المجلس البلدي في طرابلس، ينتظر توافق رئيس الحكومة سعد الحريري وزميله السابق نجيب ميقاتي. القرار سياسي بالدرجة الأولى، لكنّه أيضاً بحاجةٍ إلى توافق أعضاء المجلس، الذين يدعون إلى طرح الثقة بالرئيس أحمد قمر الدين. هذان العنصران (التوافق السياسي والتوافق البلدي) غير مؤمّنين حالياً. فالـ 22 عضواً (الرقم بعد استثناء الرئيس، ويحيى فتال الذي استقال قبل فترة. المجلس البلدي يتألف بالأساس من 24 عضواً)، ينقسمون إلى فريقين، وقد تسللت الشرذمة إلى داخل الفريق الواحد. وبين الفريقين، يقف عضو المجلس صفوح يكن، الذي يضع كلّ رجل له في «جبهة». أما المرجعيات السياسية في المدينة، وعلى رأسها ميقاتي، فلا تزال تبحث عن «الفائدة» من تبنّي بلدية «مُفخخة» بالخلافات الداخلية والمشاكل التي عرقلت، بعد ثلاث سنوات على انتخابها، أي عمل مُنتج، وسيتزامن انتهاء ولايتها مع الانتخابات النيابية.في 3 أيار الجاري، قدّم 11 عضواً من البلدية (خالد الولي، خالد تدمري، زاهر سلطان، أمين جبلاوي، محمد تامر، باسل الحاج، أحمد القيصر، رياض يمق، باسم بخاش، أحمد بدوي وأحمد حمزة) كتاباً رسمياً يتضمن طرح الثقة بقمر الدين. الجلسة المُنتظرة يُفترض أن تُعقد منتصف حزيران، ولا تكتفي بطرح الثقة بالرئيس، بل بنائبه خالد الولي، المطروح من قبل فريقه كرئيسٍ بديل للبلدية. «الميزة» بهؤلاء الـ 11 أنّهم «لا مرجعية سياسية» رسمية لهم، على حدّ قول أحد أعضاء البلدية، مع العلم بأنّ مصادر سياسية في المدينة تُشير إلى إمكان قيام إحدى المرجعيات المحلية بـ«خرقهم»، وتفريق جبهتهم. أما نقطة قوة الـ 11 الثانية، فهي اتفاقهم على تقسيم المواقع بين بعضهم البعض (غالبيتهم من اللائحة التي دعمها الوزير السابق أشرف ريفي)، على العكس من الفريق الثاني المؤلف من 10 أعضاء. عزام عويضة، محيي الدين البقار، رشا سنكري، سميح حلواني، لؤي مقدم، توفيق العتر، شادي نشابة، عبد الحميد كريمة، أحمد المرج ونور الأيوبي، لم يتقفوا بعد على الرئيس ونائب الرئيس اللذين سيدعمونهما. الاسم الأكثر تردّداً هو عويضة، كونه كان رئيس اللائحة التوافقية التي دعمتها كل القوى السياسية، كما أنّه الخيار الأول لميقاتي. فالأخير قال للفريق الأول (المؤلف من 11 عضواً) حين زاره، إنّ مُرشحه هو عويضة، مع تلميحه إلى اتفاق جرى حول ذلك مع تيار المستقبل. ولكن، «عضوين من العشرة، عبّرا صراحةً عن طلبهما الاتفاق على بعض التفاصيل، قبل دعم عويضة. يعني ذلك، أنّهما يطلبان مُقابلاً». وقبل الوصول إلى تجميع الأعضاء العشرة حول خيار واحد، «تبقى تسمية عويضة غير محسومة، إلى أن يبتّها ميقاتي رسمياً». تقول المصادر السياسية إنّ ميقاتي «في العمق لا يريد عويضة لأنّ البلدية مشروع فاشل سيُخسّره». إضافةً إلى أنّ أعضاء من المجلس البلدي «سيبقون معارضين لعويضة، وبالتالي تستمر المشاكل والمناكفات الداخلية. هل من المجدي لميقاتي أن يخطو خطوة قد تكون نتيجتها سيئة؟»، تسأل المصادر.
لم تتحلحل مشاريع البلدية إلا بعد مصالحة الحريري وقمر الدين


غياب الاتفاق السياسي على اسم رئيس جديد للبلدية، يقود إلى خلاصة واحدة: بقاء أحمد قمر الدين لثلاث سنوات جديدة... «حتى لو كان ضدّ مصلحة المدينة، وخياراً خاسراً لكلّ القوى السياسية بعدما أحرق كلّ أوراقه في المدينة». بعض الأعضاء حاولوا تسويق طرح ثالث، يقضي باستقالة كامل أعضاء المجلس البلدي والذهاب نحو انتخابات جديدة. إلا أنّ غياب النية لدى السياسيين لتنظيم استحقاق جديد، بسبب غياب القدرة على تحشيد الناس وعدم الرغبة بدفع المال الانتخابي، أحبطا الفكرة في مهدها.
تقريباً، لا تغيب المشاكل عن بلدية في لبنان. إلا أنّ ما يحصل في طرابلس، منذ صدور النتائج في أيار الـ 2016، قد يكون «استثنائياً». ليس من المُبالغة القول إنّ في عاصمة الشمال «إجماعاً» على فشل البلدية. هو «انتقام» القوى السياسية، ردّاً على إسقاط لائحتهم التوافقية. يُخبر أحد أعضاء البلدية أنّ «مشاريعنا كانت تُعرقل في وزارة الداخلية ومحافظة الشمال. لم تتحلحل الأمور إلا بعد مصالحة الحريري وقمر الدين، وتفيّؤ الأخير بعباءة الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري». كانت النتيجة انفراج مشاريع «إشارات السير والتزفيت وترميم الأبنية، وحلّ أمور عالقة في المحافظة». ولكن، هناك أيضاً مسؤولية يتحملها الرئيس نفسه. «هو غير سيئ، إلا أنه لم يكن قادراً على إدارة الجلسات. معه أعضاء فاشلون، ممكن أن يجعلونا نمضي ساعة لنقاش بند واحد»، يُضيف عضو البلدية.
لا «ترحم» القوى السياسية في طرابلس قمر الدين، وهي تُحمّله مسؤولية «تخريب» المدينة. ألا تُبالغون في إلقاء حمل ثقيل على الرجل، أكبر منه، وسببه الأساسي السياسات المركزية التي اتفقت على إبقاء طرابلس تعيش في العوز؟ تُجيب المصادر المتنوعة إنّه لو كان «الرئيس قوياً، لكان بإمكانه فرض مشاريع، بصرف النظر عن الضغوط». كما أنّ هناك ثلاثة عوامل «فشل بها، وهي في علاقته مع الأعضاء، ومع الفريق الإداري، ومع الإدارات الرسمية. السياسة لم تكن مسؤولة إلا عن هذه النقطة الأخيرة». ويعتبرون أنّ مشكلة قمر الدين بدأت مع «حملة إزالة المخالفات، يوم منع الاقتراب من أحد المطاعم التي يملكها ابنه في شارع الضم والفرز». لكن، رغم ما تقدّم، يمكن لمَن يواظب على زيارة المدينة منذ سنوات أن يُدرك مبالغة القوى السياسية المختلفة في تحميل قمر الدين مسؤولية سوء أحوال المدينة وأهلها. فهذا السوء مزمن في عاصمة الشمال. ما يمكن اتهام قمر الدين به، كما باقي رؤساء البلدية المتعاقبين، ومعهم سياسيو المدينة، أنهم لم يبذلوا ما يكفي من الجهد لتطوير المدينة.