سيكون على المُشاهد في كلّ مرَّة، وبنفس طراوة الدّمع، أن يستعيد المَشاهد الأولى لتحرير معتقلي الخيام (23 أيار/ مايو 2000) كما لَـو أنّها تحصل الآن. الآن تماماً. ودون تردّد، يمكن القول إنّ كل مشاهد تحرير قرى الجنوب تُوضع مجتمعةً في كفَّة مقابل مشهد اللحظات الأولى لتحرير معتقل الخيام في الكفّة الأُخرى. عند تلك «الجغرافيا» التي كانت لا تزال مُحاطة بالأسلاك وبالنار، كان علي ضيا يلتقط صُوراً لـ«التاريخ» من دون أن تصدّق عيناه ما كان يحصل حينها. في تلك اللحظة، شَعَر الرّجُل «أن صرخات الأسرى المحرّرين بلغت حدود السّماء ووصلت إلى الأرض المحتلّة في فلسطين كما إلى بيروت وكل العالم». الصحافي الذي يعمل مراسلاً ومصوّراً لوكالة الصحافة الفرنسية في منطقة مرجعيون منذ مطلع التسعينيّات، كان واحداً من أوائل المصوّرين الذين التقطوا صور المشاهد الأولى لتحرير معتقل الخيام إلى جانب المصوِّرَيْن الأخوَيْن لُطف الله وكرم الله ضاهر اللذين كان لهما «سبق الفضل» في بث المشاهد الأولى لدخول المعتقل السابق التي تم تداولها لاحقاً بكثافة. بالنسبة إلى علي ضيا (مواليد 1952)، شكّل تحرير معتقل الخيام قضية شخصيّة ومهنيّة، فضلاً عن كونها قضية وطنية تأتي في سياق تحرير القرى الجنوبية من الاحتلال الإسرائيلي. لا يرجع الرجل بالزمن إلى عام 2000. «ما زالت تلك اللحظات تسكن وجداني وعقلي كأنها حدث متواصل يجري الآن».
التقط علي ضيا صورة المعتقل المحرر خنجر شعيب مقبّلاً الأرض

مع بدء الإعلان عن تحرير بعض القرى الجنوبية، اتّجهت الأنظار إلى الخيام نظراً إلى رمزية معتقلها. «نحنا دخلنا أولاً مع الأخوين ضاهر ومجموعة من أهالي المعتقلين لم تكن تتجاوز العشرين شخصاً في بادئ الأمر». في المعتقل المحرَّر، كان علي وزملاؤه يشاركون مع الأهالي في تأريخ مشهد يحصل مرة واحدة وأخيرة. «الكل عانق الكل وكلهم بكوا فرحاً». هناك التقط ضيا صوراً لها مكانتها الخاصة في أرشيفه، كصورة المعتقل المحرر خنجر شعيب مقبّلاً الأرض، وصورة المحرّر راني بزّي حاملاً كيس أغراضه صارخاً «الله أكبر» (استشهد لاحقاً في حرب تموز). «بدا لي كأنّه يُخرِج بصرخته تلك كل سنوات الاعتقال من داخله دفعة واحدة».
بالنسبة إلى ضيا الذي اعتقله الاحتلال الإسرائيلي غير مرّة، وكانت إحداها في معتقل الخيام نفسه (1986)، كان أمراً غير عادي أن يعود في يوم التحرير ليتفقّد الغرفة رقم 5 التي وضعه الاحتلال فيها مع رفيقه خالد فوعاني آنذاك. «شعرتُ بدخولي إليها أنني تحرّرت مرة أُخرى». قبل شهر من تحرير الجنوب، تحوّل مكتب مراسل وكالة الصحافة الفرنسية في جديدة مرجعيون إلى قبلة لعدد كبير من صحافيي ومراسلي وسائل الإعلام والوكالات الإخبارية الغربية. «كان مكتبي هو المركز الإعلامي الوحيد تقريباً في المنطقة». يقول ضيا: «كان يهمهم أن يسمعوا منّا بعض التفاصيل وكانوا يتحدثون عن انسحاب إسرائيلي وشيك». لم يغادر علي ضيا منطقة «الشريط» منذ أن قدم إلى هناك للمرة الأولى عام 1984 كطبيب أسنان ضمن فريق مؤسسة «عامل» في الخيام. لاحقاً تحوّل إلى مهنة الصحافة التي بدأها مراسلاً ومصوراً مع وكالة «رويترز» قبل أن ينتقل إلى الـ«أ ف ب» وعمل إلى جانبها لصالح عدد من المؤسسات الإعلامية والصحافية اللبنانية كـ«السفير» والـ«دايلي ستار» وقناة «المستقبل». بعد حرب تموز 2006، أنتج بالتعاون مع زميليه الأخوين ضاهر فيلماً وثائقياً بعنوان «صدور بلا نياشين» حول حادثة قصف إسرائيل للقافلة المدنية الخارجة من ثكنة مرجعيون. ضيا لا يزال يذكر جيداً واحدة من أكثر اللحظات مهابة وتأثراً، حين التقط الصور الأولى للشهيد هادي نصرالله في مستشفى مرجعيون عام 1997. مَن يضع النياشين على صدور علي ورفاقه؟