الواضح بالنسبة إلى جميع المتابعين لملف العلاقات الأميركية اللبنانية، أن امتناع وزير الخارجية مايك بومبيو عن زيارة لبنان قبل الآن لم يكن بسبب عدم رغبته بذلك أو لمحاذير أمنية، بل لأن الإدارة الأميركية لا تعتقد بأن لبنان ملف قائم بذاته، ولأن إدارة أموره لا تتم من دون تنسيق الحلقة الأكبر المتصلة بالقوى الإقليمية. وكل قرار متصل بلبنان يحتاج الى تمهيد كبير مع حلفاء واشنطن في بيروت والمنطقة. وهذا تحديداً ما أنجز خلال الفترة الماضية، سواء من خلال زيارتَي ديفيد ساترفيلد، أو اللقاءات السعودية ــــ الإماراتية مع قيادات لبنانية متنوعة، بما في ذلك زيارة الرئيس سعد الحريري الأخيرة للرياض.وبحسب حصيلة أمكن لجهات معنية جمعها عن المحادثات التمهيدية، فإن الجانب الأميركي يهتم بأن «يراعي الحلفاء» في عملهم الآتي:
عدم ارتكاب أخطاء هوجاء وانفعالات تجعل لبنان يسقط كاملاً في يد المحور الإيراني ــــ السوري.
أن لا يتم اللجوء الى أي خطوات مستعجلة تقود الى اندلاع مواجهة سياسية كبيرة، أو حتى حرب إقليمية بتوقيت لا يناسب أميركا والحلفاء.
أن يجري تعزيز وتنسيق الضغوط على حزب الله من قبل العواصم الإقليمية، ومن قبل قوى محلية لبنانية، بالتزامن مع مستوى جديد من العقوبات المالية على الحزب.
وبحسب المصادر، فإن التقويم الأميركي للاتصالات التي جرت أدى إلى الانتقال الى مستوى جديد من الضغوط. وفي هذا السياق، تصبح زيارة وزير الخارجية الأميركي ضرورية ومهمة، وأن الزيارة سوف تعكس تتويجاً لتفاهمات جرت على مستوى العالم والإقليم ضمن جدول أعمال ينص على الآتي:
أن يتم توسيع دائرة الضغوط والقيود المالية على حزب الله. وقد جرى التفاهم مع عدد من الدول العربية. ووافقت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والأردن (وربما مصر) على السير بالمشروع الأميركي، وجاء الاعتراض حتى الآن من الجانب الكويتي، بينما لم يتضح موقف قطر، التي تعتمد الحياد السلبي، لكن الأميركيين يعتقدون أن بالإمكان ضم قطر الى المجموعة سريعاً.
الدول العربية الآنفة الذكر، سوف تتبنّى تلقائياً العقوبات الأميركية، كما هي الحال مع بريطانيا، علماً بأن النقاش داخل الاتحاد الأوروبي لا يزال غير محسوم الى الآن. لكن العواصم الغربية تحاول التوصل الى حل وسط، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة.
أن يجري العمل على البيئة الناشطة اقتصادياً في الخارج، ويجري الحديث عن موجة جديدة من التدقيق والتضييق على رجال أعمال وناشطين وتجّار من الشيعة اللبنانيين العاملين في الدول العربية. وسيتم التعاون مع إسرائيل وبعض العواصم الغربية على تكرار الأمر نفسه في أفريقيا.
أن يتم إعداد برنامج «اتهامات أمنية» لحزب الله، بصورة مكثفة. ويكون الأمر من خلال ما سماه أحد المراقبين «تركيب ملفات أمنية» للحزب على غرار المحكمة الدولية، وفي ملفات متنوعة داخل لبنان وخارجه، وذلك بغية التوجه بهذه الملفات الى الأمم المتحدة، سعياً إلى استصدار قرارات دولية تجعل الحزب في مصاف «داعش»، ويجري تجريمه بوصفه «منظمة إرهابية وإجرامية تهدد العالم أجمع».
العمل داخل لبنان على منع حزب الله من تحقيق أي نجاح في معركة مكافحة الفساد، ولو تطلب الأمر التغطية على جميع المتورطين في ملفات مالية غير قانونية. وهو تدبير جرت تجربته في حالة الرئيس فؤاد السنيورة حين طلب الأميركيون ومعهم السعودية والإمارات من الرئيس الحريري ومن قيادات كثيرة في لبنان، الإحاطة بالسنيورة واعتبار ملاحقته أمراً سياسياً لا يمكن الموافقة عليه.

عون شريك حزب الله
بالنسبة إلى الأميركيين، فإن المشكلة ليست مع حزب الله وحده. بل هي تكبر مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وإن الأخير يعتمد سياسات داخلية وإقليمية تصبّ في مصلحة المشروع المتعارض مع المصالح الأميركية والسعودية. وبالتالي، فإن «العهد» سيكون على المهداف أيضاً. وكشف مصدر مطلع عن أن الجانب الأميركي بحث «تفصيلاً مهماً يتعلق بإمكانية تركيز النار على العماد عون وتحييد الوزير جبران باسيل، وكذلك تحييد قيادات أو مؤسسات بارزة محسوبة على العماد عون، وبالتحديد قيادة الجيش اللبناني».
بالنسبة إلى الأميركيين، المشكلة ليست مع حزب الله وحده، بل مع عون أيضاً

ويبدو أن الأميركيين يعتقدون أن بالإمكان التلويح بالورقة الرئاسية مبكراً، وأن هدف ذلك هو البعث برسائل الى باسيل أو الى قائد الجيش العماد جوزف عون بأن واشنطن مستعدة للتعاون معهما، وكلّ على حدة، بما خص الملف الرئاسي إذا كان لديهما الاستعداد لمغادرة الموقع السياسي للرئيس عون، وتوسيع هوامش التمايز عن حزب الله. واللافت، بحسب المصادر، أن تتم للمرة الأولى الإشارة الى قائد الجيش، بوصفه مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية. وهو أمر لم يحصل أن جرى التداول به سابقاً، حتى إن قائد الجيش نفسه لا يسمح لأحد بالحديث عن الأمر، ولو على سبيل المزاح.
وبحسب المصادر، فإن الأميركيين يعتقدون بأن الرئيس عون يمكن أن يساعد إن هو تراجع عن موقفه من أمرين: الأول، ملف النازحين السوريين؛ والثاني، العقوبات على حزب الله. ويعتقدون أن الحملة على عون من شأنها توحيد صفوف القوى السابقة في فريق 14 آذار، وأنه يمكن جمع عدد غير قليل من القوى والشخصيات التي تلتقي على معارضة حزب الله وعون معاً.

ملف الإجراءات التنفيذية
المعلومات الواردة والمجمعة، بما فيها الخاصة بزيارات ولقاءات مسؤولين أميركيين وبريطانيين وسعوديين للبنان، تكشف أن جدول الأعمال المباشر الذي سيكون على طاولة البحث أثناء زيارة الوزير الأميركي وبعدها، يهدف الى ترتيب ملفات المعركة وفق الآتي:
ضمان التزام حديدي من لبنان بكل أنواع العقوبات المالية على حزب الله وعلى الشخصيات القريبة منه. وعدم تجاهل أي قرار أو التذرع بصعوبة تطبيقه، والانتقال في ما خص العقوبات المالية من مرحلة إقفال الحسابات المالية الى مرحلة مصادرة الأموال الموجودة في حسابات كل من تصدر في حقه عقوبات، وإلغاء أي إجراء يتيح له الحصول على الأموال. ويبدو أن هذا التدبير كان مثار بحث في وقت سابق مع جهات مصرفية عليا في لبنان، ولم يصل مصرف لبنان الى آلية لمعالجة الأمر، وخصوصاً أنه يواجه الضغوط الأميركية بمصادرة الأموال، وضغط الساحة الداخلية بمنع مصارف لبنان من التقيد بالتعليمات الأميركية مهما كانت النتيجة.
ضمان التزام لبنان موجبات قرارات العقوبات على سوريا وإيران وعلى جماعات عراقية حليفة لحزب الله، والتوجه لأول مرة بتحذير يقول بأن أي نوع من المساعدات الدولية للبنان سيكون مصيرها رهن تقيّد لبنان بالتعليمات الأميركية. وأنه في كل مرة يحصل فيها خرق من جانب لبنان، سيكون الرد بتجميد بعض المساعدات.
تحميل القوى اللبنانية، والدولة، مسؤولية «استغلال حزب الله لمؤسسات الدولة الحكومية والبلدية وخلافه، من أجل التحايل على قانون العقوبات»، وأن عدم احترام هذه القاعدة سيعرض لبنان لعقوبات أميركية مباشرة.