لم يكن مفاجئاً إعلان وزير الداخلية البريطاني ساجيد جافيد، أمس، بإحالة قرار على البرلمان يتبنّى وضع «الجناح السياسي» لحزب الله على لائحة الإرهاب. إذ إن كلّ المعلومات الآتية من لندن، في الأشهر الماضية، أشارت إلى نقاش داخل «الدولة العميقة» حول القرار، بعد اعتبار بريطانيا «الجناح العسكري» للحزب تنظيماً «إرهابياً» في العام 2008.الإعلان عن مشروع القرار يشير إلى أن الجناح المؤيّد لإسرائيل في النظام البريطاني تمكّن من فرض رؤيته لاعتبارات عدة، أهمها التماهي التام مع موقف العداء الأميركي لحركات المقاومة في المنطقة، وتشديد الحصار على حزب الله (انظر «الأخبار»، 19 تشرين الثاني 2018)، كشكل من أشكال الحرب غير العسكرية، بعد فشل الرهان على إسقاط الدولة السورية ومحور المقاومة بالحرب الدائرة منذ عام 2011. كما أنه، على ما يبدو، انتصار للرؤية التقليدية البريطانية الداعمة لإسرائيل، منذ وعد بلفور الشهير عام 1917، الذي مهّد لتسليم فلسطين للعصابات الصهيونية.
وبدا لافتاً أن الإعلان جاء على لسان جافيد، ولم يصدر عن وزارة الخارجية، التي عاد وأعلن وزيرها جيريمي هانت الموقف نفسه، مضيفاً أن «بريطانيا لا تستطيع السكوت عن نشاط حزب الله».

مقر السفارة البريطانية في بيروت (هيثم الموسوي)

وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن مشروع القانون يمكث على مكتب رئيسة الحكومة تيريزا ماي، على الأقل منذ تشرين الأول الماضي، مدفوعاً من جافيد وتيّار اليمين. إلّا أن ما أخّر إحالته إلى البرلمان كان رفض وزارة الخارجية وجهاز الأمن الخارجي (أم. آي. 6) تحسّباً لرد فعل حزب الله على القرار، وتأثير ذلك في علاقة الحكومة البريطانية بالدولة اللبنانية، طالما أن «حزب الله جزء لا يتجّزأ من الشعب اللبناني وهو عضو فاعل في الحكومة»، على ما تقول مصادر أمنيّة أوروبية متابعة للملفّ.
وجافيد، النائب في البرلمان عن حزب المحافظين الحاكم، بعيداً من حساباته الداخلية المتعلّقة بطموحه الوصول إلى رئاسة الحكومة مستغلّاً ضعف ماي، واحد من أبرز وجوه اللوبي الإسرائيلي - البريطاني المعروف باسم «أصدقاء إسرائيل المحافظون» (CFI). وهذا الأخير، لم يوفّر جهداً في السنوات الماضية، لفرض مصلحة إسرائيل على السياسة الخارجية البريطانية، على مستوى العداء التام لحزب الله وسوريا وإيران، كما أنه لاعب مهم أيضاً في السياسة الداخلية. ويلعب هذا اللوبي مؤخّراً دوراً مهمّاً لتحويل الموقف البريطاني في مسألة الجولان السوري المحتلّ، لجهة نقض القرارات الدولية الداعية لانسحاب إسرائيلي كامل من الهضبة، وتأييد ضمها لإسرائيل. على اعتبار أن بريطانيا ارتكبت خطأً تاريخياً حين رسمت حدود سايكس - بيكو ووضعت الجولان داخل حدود الدولة السورية، بدل ضمّه إلى «فلسطين التاريخية» وتالياً ضمن الكيان العبري.
ليس محسومة بعد، نتيجة التصويت الذي من المفترض أن يجري في البرلمان البريطاني الجمعة المقبل، إلّا أن أكثر من مصدر أوروبي رجّح لـ«الأخبار» أن يتمّ تبنّي القرار. وعزت المصادر ذلك أوّلاً إلى الانشقاقات داخل حزب العمال البريطاني الأسبوع الماضي التي نسّقها «أصدقاء إسرائيل المحافظون» وإعلان النواب المنشقين دعم الحكومة في البرلمان، والحملة التي خيضت ضد رئيسه جيريمي كوربين، واتهامه بـ«معاداة السامية». فضلاً عن رغبة الحزب الحاكم في استرضاء السعودية وولي العهد محمد بن سلمان. وهدف تضمين مشروع وضع حزب الله على لائحة الإرهاب (الجناح السياسي)، جماعتي «أنصار الإسلام» و«جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» العاملتين في الغرب الأفريقي، إلى إحراج معارضي القرار وتحميلهم المسؤولية أمام الرأي العام البريطاني. ولا يمكن الفصل بين القرار، وبين زيارة مدير (MI6) أليكس يونغر إلى إسرائيل قبل يومين، ولقائه مدير الموساد يوسي كوهين، بهدف معلن هو البحث في معلومات عن عودة إيران لتخصيب اليورانيوم، فيما تؤكّد مصادر أوروبية لـ«الأخبار» أن الزيارة أحدثت تحوّلاً في موقف يونغر لجهة دعم القرار بدل التحفّظ عليه.
مصادر مقرّبة من حزب الله اعتبرت أنه «ليس هناك من تأثير للقرار على العلاقات مع بريطانيا لأن العلاقات أصلاً مقطوعة منذ سنوات طويلة وهناك مقاطعة متبادلة لأي نشاط أو اتصال». ووصفت القرار بـ«الدعائي، لا يؤثّر فينا، وجاء استرضاءً للأميركيين والسعودية وإسرائيل»، معتبرةً أنه «ربّما يؤّثر في الشكل على داعمي حزب الله في بريطانيا من المواطنين، ولن يتمكّن هؤلاء من الإعلان عن دعمهم للحزب بشكل علني خوفاً من الملاحقة».
ماي أبلغت الحريري نيّة بريطانيا الإعلان عن مشروع القرار مؤكّدة عدم تأثير ذلك في العلاقات بين البلدين!


رئيس الحكومة سعد الحريري أن القرار «يخص بريطانيا ولا يخص لبنان»، مشيراً إلى أن «ما يهمنا هو ألا تتضرر العلاقة بيننا وبين بريطانيا، ونتمنى أن ينظر إلى لبنان كلبنان وشعبه». فيما شدّد وزير الخارجية جبران باسيل على أن «الإعلان لن يكون له أثر سلبي على لبنان وهو أمر اعتدنا عليه من الدول الأخرى»، مضيفاً أنه «لو قال العالم بأجمعه إن المقاومة إرهاب فهذا لا يجعل منها إرهاباً، طالما أن الأرض محتلة تبقى المقاومة محتضنة من مؤسسات الدولة والشعب». وقالت مصادر لبنانية مطلّعة على الملف لـ«الأخبار» إن «ماي أبلغت الحريري أول من أمس في شرم الشيخ أن الإعلان البريطاني سيحصل اليوم (أمس)، بالتزامن مع تبلّغ باسيل الامر نفسه من وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية أليستر بيرغ. وشدد الجانب البريطاني على رغبته بألا يؤثر القرار على العلاقات مع لبنان، وخاصة أن الاتفاقات الثنائية بين البلدين سيُعاد بحث الكثير منها بعد إتمام خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي». ورأت المصادر أن «الموقف غير ذي أهمية، وخاصة أنه يصدر عن بريطانيا الخارجة من الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن وزنها أقل ثقلاً مما كان عليه سابقاً». وهذا ما أكّده كلام الممثلة العليا للسياسة الخارجية والامن المشترك في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني التي أبلغت باسيل امس «استمرار الموقف الاوروبي بالفصل بين الجناحين السياسي والعسكري وباعتبار الجناح السياسي ممثلا لشريحة من اللبنانيين ومشاركاً في الحكومة اللبنانية».
مصادر أوروبية دبلوماسية، أضافت عوامل أخرى أثّرت في الإعلان عن هذا المشروع أمس. وأوضحت أن «بريطانيا تتجّه من ضمن خطة بريكسيت نحو سياسة منفصلة عن السياسة الأوروبية، متماهية بشكل كلّي مع السياسة الأميركية، غير آبهة بالمصلحة الأوروبية في ما خصّ السياسة تجاه لبنان، وبسلامة الجنود الأوروبيين الموجودين على الأراضي اللبنانية». والمسألة الثانية، هي السعي البريطاني إلى استجلاب المزيد من الأموال السعودية، للاستثمار في مجالي التسلّح (شراء السعودية أسلحة بريطانية، وبخاصة الطائرات المقاتلة) والطاقة (تمويل إنشاء محطة ضخمة لإنتاج الكهرباء في بريطانيا باستخدام الطاقة النووية).