فتحَ قرار المجلس الدستوري بإبطال نيابة ديما جمالي أبواباً مُغلقة على رئيس الحكومة سعد الحريري. لم يكُن ينتظِر أن يدخُل سريعاً في اختبار جديد لشعبيته، وبخاصة من البوابة الطرابلسية حيث يكثُر خصومه فيها، والطامحون لحجز مِقعد سني هناك. ولم يكَد الحريري يتجاوز آثار التراجع في تلكَ المدينة، حتى عاد إليها مجدّداً باحثاً في كيفية صوغ التحالفات. خياره الوحيد أن يستكمِل تحالفه الوزاري مع الرئيس نجيب ميقاتي لإتمام الفوز بنيابة جمالي. لكنّ ذلك سيكرّس مبدأً لديه أن الفوز في عاصمة الشمال لن يكون حليفه إذا ما قرّر رئيس كتلة «الوسط المستقلّ» عدم مناصرته، أو عدم الوقوف على الحياد. وعلى رغم كل الحديث عن أن نيابة جمالي مضمونة في جيب رئيس تيار المُستقبل (وفق النظام الأكثري وفي ظل الكلام عن تحالف أكيد بينه وبين ميقاتي) لا شيء محسوماً حتى اللحظة. ساحة المعركة مفتوحة للجميع. مختلف القوى استأنفت الاتصالات بين بعضِها البعض.تطيير أحد نواب كتلة «المستقبل» من البرلمان لم تشكّل بالنسبة إلى الحريريين ضربة حسابية. فقد بات هؤلاء على قناعة بأن رئيسهم لن يتأثر بنائب «بالزايد أو بالناقص» في ظل تحالفاته وتفاهماته السياسية، تحديداً مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل. مع ذلك افتتح الحريري معركته باكراً . أولاً، بتعبئة تياره وجمهوره حين تحدّثت كتلة «المستقبل» عن غدر سياسي. وكان المقصود هنا بحسب مصادر مستقبلية، «رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أوعز إلى أحد أعضاء المجلس الدستوري بقلب النتيجة ضد جمالي». وثانياً، بإعادة ترشيح جمالي قبل التشاور مع أي طرف داخل التيار أو من يُفترض أن يكونوا حلفاء له في الانتخابات النيابية المقبلة. فقبل أيام، كان الرئيس ميقاتي يقول في إحدى الجلسات الداخلية إنه في حال اتخذ المجلس قراراً بالطعن بنيابة جمالي فإنه سيتشاور مع الحريري بشأن اسم المرشّح الجديد. لكن «الحريري بإعادة تسمية جمالي أخذ قرار الترشيح بشكل انفرادي، ووضع الجميع أمام أمر واقع هو من سيرسم خريطة التحالف في الأسابيع التي ستسبق الانتخابات الفرعية».
لا شكّ في أن المعركة النيابية الفرعية هذه المرة في طرابلس ستكون مختلفة تماماً عن المشهد الانتخابي في أيار الماضي. فالحسابات المعقدة التي فرضتها اتفاقات تشكيل الحكومة، قلبت الموازين. بعد الانتخابات دخل الحريري وميقاتي في ما يشبه التحالف بينهما، وقد تنسحب تسوية التوزير على النيابة أيضاً بشكل يقطع الأمل أمام أي مرشّح في وجههما. خصوصاً أن نتائج الانتخابات أثبتت قوة ميقاتي، وكرّسته قوة كبيرة على الساحة الطرابلسية بنيله أكثر من 21 ألف صوت تفضيلي. مصادر ميقاتي لمحّت إلى أن «التحالف مع الحريري يتقدّم على كل الخيارات الأخرى»، من دون أن يعني ذلك بأن «العزم سينزل بكل ثقله المالي والسياسي والانتخابي». ونفت المصادر ما يحكى عن «ثمن يريده ميقاتي بالمقابل، كما حصل مع الوزير السابق محمد الصفدي الذي أخذ من الحريري توزير زوجته مقابل التحالف في الانتخابات».
وفيما تقاطعت المعلومات عن لقاء قريب سيجمع بين الحريري وميقاتي في غضون أيام للبحث في هذه المسألة، يبدو أن الرئيس السابق للحكومة يناور مع أكثر من طرف. ومع أن الكفة تميل لمصلحة التحالف بينه وبين الحريري، لفت النائب فيصل كرامي في اتصال مع «الأخبار» إلى أن «الصورة ليست واضحة تماماً»، مشيراً إلى أن «الاتصالات بيني وبين ميقاتي مفتوحة منذ أيام»، وأن الأخير «وعدني بأنه لن يتخذ القرار قبلَ التنسيق معي». كرامي واحد من الشخصيات الطرابلسية التي سارعت إلى دعوة ماكينتها الانتخابية لدراسة الوضع على الأرض، مؤكداً أنه «لا يزال هناك وقت قبل اتخاذ القرار». فهو متوقف على «ما إذا كان طه ناجي سيترشح من جديد أو أن هناك شخصية أخرى سيتمّ تبنيها». ومن ثم «اتضاح صورة التحالفات التي سيصوغها الحريري. فهل ستكون المعركة ضد شخص واحد أم سيكون هناك أكثر من مرشّح». وأضاف: «على ضوء كل ذلك سأقرر، فإما أن لا أشارك بالمعركة بالمطلق أو أشارك فيها بقوة».
مصادر ميقاتي: التحالف مع الحريري يتقدّم على كل الخيارات الأخرى


أما في ما يتعلق بجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) وهي أكثر المعنيين بهذه المعركة، كونها الجهة الطاعنة التي تفاجأت بعدم إعلان فوز مرشحها طه ناجي، فلا تزال هي الأخرى في مرحلة دراسة قرارها. لا شك أن «مرشحها الوحيد سيكون ناجي من باب ردّ الاعتبار»، أما كيفية إدارة المعركة فتقول مصادرها أن «الجمعية تنتظر نشر القرار في الجريدة الرسمية أولاً، ومن ثمّ التشاور مع فريق 8 آذار». كما تبدو الجمعية كغيرها من الأفرقاء السياسيين في طرابلس بانتظار قرار الرئيس ميقاتي «فأن يتحالف مع الحريري شيء، وأن ينأى بنفسه عن الانتخابات شيء آخر».
وفي هذا الإطار، لا يُمكن تناسي الوزير السابق أشرف ريفي. يعتبر الأخير أن هذا المقعد انتزع منه بفعل قانون الانتخابات وطريقة احتساب الأصوات. لكنه حتى اللحظة لا يزال متحفظاً جداً بشأن القرار الذي ينوي اتخاذه. إذ تقول أوساطه إنه «لن يُعلن عن شيء قبل 10 أيام، فهو يريد التواصل مع جماعته على الأرض والتأكد من استعداد ماكينته لخوض المعركة». وقد كان بارزاً في كلام المصادر أن «ريفي ربما يكون في انتظار إشارة من الرئيس الحريري، في حال لم يتفق مع ميقاتي على التحالف فقد يلجأ إلى طرف آخر ليخوض المعركة معه»، مضيفة أن «ريفي يجد نفسه معنياً بهذه الانتخابات والخيار الأقوى عنده هو خوضها».