رُغم الدينامية التي أطلقها كل من رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل في محاولة لكسر المراوحة الحكومية منذ نحو تسعة أشهر، فإن من الصعب توقّع خروج الدخان الأبيض في غضون الأسبوع الذي حدده الحريري. تقديرات بعض المتشائمين تقول إن الأمر قد يحتاج أشهراً إضافية، خصوصاً أن العقدة الأساسية التي تتعلق بتمثيل اللقاء التشاوري، لا تزال هي العائق الرئيسي في ظل عدم قبول أي من الأطراف المعنية التنازل من حصتها. وبالتالي، إن كل الأجواء التفاؤلية التي يُحاول إشاعتها الرئيس الحريري من خلف أبواب القوى السياسية ليست مبنية إلا «على فاشوش»!ثمّة اقتناع في بيروت بأهمية تراجع الحريري عن صمته والعودة إلى التصرف كرئيس حكومة مكلّف، وذلك بعدَ أن تحدث إليه باسيل ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في هذا الشأن. لكن إدارة العملية التفاوضية من قبله لا ترتقي بحسب ما تُشير مصادر بارزة في 8 آذار إلى مستوى المسؤولية، مؤكدة أن «ما بين أيدينا من وقائع ملموسة ليسَ كافياً للإفراج عن الحكومة الجديدة»، وليسَ أدل على ذلك من «سفر وزير الخارجية لحضور مؤتمر في دافوس، في ظل الحديث عن تأليفها خلال أيام». هذا التناقض بين ما هو مُعلن وما يجري العمل عليه خلف الكواليس، يطرح سؤالاً عن خلفية التسويق لهذا الجو الإيجابي، وسؤال آخر: أين تقف الحكومة، وعندَ أي عقدة؟ الحقائب أم تمثيل اللقاء التشاوري؟ وهل الوضع الاقتصادي الخطير والتصنيفات السلبية التي ترد من الخارج ستدفع المعنيين إلى النزول عن الشجرة؟
تقول المصادر إن «حركة الرئيس الحريري لم تحصل بمبادرة فردية منه، بل بدفع من وزير الخارجية»، مشيرة إلى أن «عقدة تمثيل اللقاء التشاوري لا تزال تتقدم كل العقد، ولا سيما بعدَ سقوط طرح حكومة من 32 وزيراً». ومع سقوط هذه الصيغة «لا مجال إلا بالعودة إلى حكومة ثلاثينية، من 3 عشرات»، وبما أن «الحريري لا يزال مُصراً على عدم التنازل من حصته، فقد لمس المعنيون من الاتصالات التي حصلت مع الوزير باسيل أنه لا يزال يرفض أن يكون تمثيل النواب السُّنة المستقلين من حصّة رئيس الجمهورية. كذلك يرفض الحريري تقديم أي تنازل»، وبالتالي «نحن لا نزال ندور في حلقة مفرغة»، واعتبرت أن «الحركة التي يقوم بها الرئيس المكلف ربما كانت تهدف وحسب إلى كسب الوقت، لأنه لا يريد الاعتذار، خصوصاً أنه يتعرض لضغط كبير من رئيس الجمهورية الذي يُصرّ على تأليف حكومة قبل نهاية الشهر الجاري». أما في ما يتعلق بالحقائب، فترى المصادر أن «عقدة توزيع الحقائب سيكون حلها سهلاً بعد الاتفاق على عقدة تمثيل اللقاء التشاوري».
حركة الحريري لم تحصل بمبادرة فردية منه، بل بدفع من وزير الخارجية


وفي إطار جولته، زار الحريري يومَ أمس جنبلاط في كليمنصو، قائلاً بعدَ اللقاء إن «موضوع الحقائب لم يكن وحده مطروحاً في اللقاء، بل هناك أمور كثيرة جرت في البلاد وجرى التهجم علينا وعلى جنبلاط ونحن نرصّ صفوفنا. وبالنسبة إلى الحكومة، هناك أمور تحدث لن أتحدث بها كي لا تتخرب». وكان لافتاً ما قاله على باب كليمنصو، أنه «سيحسم قراره الأسبوع المقبل»، من دون أن يوضح بعدَ سؤاله إن كان «المقصود من حديثه أنه سيعتذر». من جهته، رأى جنبلاط أن «هناك قوة تريد إضعاف البنية الاقتصادية والاجتماعية للبنان من أجل السيطرة على البلد»، مشيراً إلى أن «هذه القوى استنهضت نفسها أخيراً لتهاجم الآخرين، وهؤلاء لا يهمّهم الوضع الاقتصادي في لبنان، وخاصة بعد تصنيف (موديز) للاقتصاد اللبناني». ومع أن جنبلاط أكد أن «الحكومة ستتشكّل قريباً»، علمت «الأخبار» من مصادر اشتراكية أن «جنبلاط يرفض التنازل عن حقيبة الصناعة، ويصرّ عليها إلى جانب وزارة التربية»، لكن «الحريري تمنّى عليه ألّا «يسكّرها في وجهه»، فردّ جنبلاط طالباً من الحريري أن يستكمل جولته ويعود في ما بعد للحديث معه». ومن المرجّح أن يلتقي الحريري رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بعدَ عودة الأخير من الخارج.