لم يعد الأمر سراً. الدول العربية التابعة لواشنطن قررت الالتزام بقرار الأخيرة، والاستمرار بسياسة مقاطعة لبنان. لم يتلقّف حكام الخليج مد الرئيس ميشال عون يده لهم يوم افتتح عهده بزيارة السعودية وبقية مشيخات الجزيرة العربية، ولا التزامه ما يسمّونه - زوراً - «الموقف العربي»، ولا ابتعاده عن استفزازهم بعدم زيارته دمشق ولا طهران، على رغم كون خيار كهذا حقاً سيادياً للبنان ورئيسه، ولا يجوز لأحد أن يرى فيه استفزازاً. لم يراعوا «حق الأخوة»، ولا مصلحتهم المباشرة، ولا المصالح المشتركة. قرارهم واضح: إما أن تكون تابعاً لسيدهم، أو أنهم سيعاقبونك ويحاصرونك ويقاطعون القمة التي دعوتهم لها، ثم سيقولون لك إنك خارج «الحضن العربي». يوم أمس، بدوا جميعاً ملتزمين بأمر العمليات الأميركي، فلم يعد أحد منهم راغباً بالمشاركة في القمة العربية ببيروت. ولأنهم اعتادوا تنفيذ الأوامر بحذافيرها، فها هم يعودون إلى لغة التشدد تجاه سوريا: عودتها إلى الجامعة العربية لن تكون سهلة، ويجب إبقاء النازحين في صقيع تهجيرهم، لاستخدامهم ورقة في أي تفاوض سياسي في بلادهم. ولأجل تحقيق هذا الهدف، لا بد من رفض مقترح لبنان الداعي إلى عودتهم إلى بلادهم.قمة بيروت كانت مخصصة للبحث في الشؤون الاقتصادية - التنموية للدول العربية. في الأصل، هل يجوز حقاً الحديث، أو مجرّد التفكير، باقتصاد عربي مشترك؟ الأمر واجب، بالتأكيد، لكن، هل هو متاح عملياً؟ لا فائض مالياً يُعتد به في العالم العربي إلا من اقتصاد النفط. وأموال النفط باتت كلها تقريباً مُستثمرة في الولايات المتحدة الأميركية، والباقي في أوروبا. ما نجا منها من نهب السلالات الحاكمة للجزيرة العربية، يُجَيّر إلى السيد الأميركي، بناءً على أوامره. ولهذا السبب تحديداً، لن يقوم اقتصاد عربي مشترك، ولو كان على شكل ما دعا إليه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل: سكك حديد، خطوط نفط وغاز... ويمكن إضافة مناطق صناعية مشتركة، لا مناطق حرة لا تنتج.
خلاصة الأمر أن هؤلاء، في الشكل، يريدون إفشال قمة فارغة في المضمون. ولأجل ذلك، يُنتظر من رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، موقف حاسم. موقف يُنتج سياسات. لم يعد مجدياً انتظار هؤلاء، ولا أسيادهم. في الاقتصاد، وفي السياسة، وفي العلاقات الدولية والاقليمية، لدينا خيارات أخرى. فخامة الرئيس، أنت لا تشبههم. لم تبن ثروة من استعباد الناس وسرقة ثروات البلاد. أنت تريد الإنتاج وتراه شرطاً لازماً للسيادة، وهم جباة لحساب الإمبراطورية. أنت استقلالي وهم تابعون. أنت شريك في النصر وهم شركاء في التآمر على أوطاننا. أنت مقاوم وهم عملاء. لا تنظر إلى صغار يعايرونك بما وقع عليك لأنك رفضتَ أن توقّع. فخامة الرئيس، من حقنا عليك ألا تحضر غداً. صغار موظفيهم الذين أرسلوهم إلى بيروت، ولو كانوا برتبة أمين عام لجامعة الدول العربية، لا يستحقون شرف مشاركتك.