يعيش رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط «فوبيا» العودة إلى سوريا. لا يمُرّ يومٌ لا يكون فيه مسكوناً بهذا الهاجس. يومَ سار الانفتاح العربي إلى دمشق باندفاعةٍ لم تجِد من يُعرقلها سوى بعض الإشارات الأميركية، كانَ جنبلاط يضرب أخماساً بأسداس. استعادَ رسائِل جمّة كانت قد وصلته من الشام، أولها أن الطريق لن تكونَ مُعبّدة أمامه. بدأ بربط جُملة أحداث، واضعاً إياها في سياق مؤامرة كونية يتعرّض لها، فقرر «اللعب على عواطِف» أبناء طائفته. تارةً يوجّه رسالة إلى دروز فلسطين برفض الالتحاق بالخدمة الإلزامية. وتارةً أخرى يستنجِد بالمشايِخ لتحصين المختارة من ارتدادات زلزال سياسي قد يؤثّر عليها. وأطواراً يبرِز حاجة المختارة إلى الالتفاف الدرزي حولها. وبعد حادثة الجاهلية، مطلع الشهر الفائت، التي كان من تداعياتها إعادة تجميع القوى الدرزية المُعارضة له في بوتقة واحدة، تعاظمت نظرية المؤامرة لديه. لم يمُر الأحد الفائت بسلاسة عليه، حينَ وقفَ الوزيران طلال أرسلان ووئام وهاب جنباً إلى جنب، فرأى زعيم المختارة أن الشام تعود إلى الجبل من بوابة الجاهلية، وهذا ما يزيد من قلقه. توتره وصل إلى حد تبريره اعتداء شرطة إحدى البلدات الشوفية على ناشطات من المجتمع المدني كنّ يوزعن أوراقاً تدعو إلى المشاركة في التحركات المطلبية السبت والأحد الماضيين. ولم يجد لتغطية الاعتداء من كلمة سوى القول إن حزبه مستهدف!جنبلاط نفسه لم يكُن مُتحمّساً للطروحات الأميركية التي سمعها مِن وكيل وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل، حينَ حلّ ضيفاً عليه أخيراً في كليمنصو، خشية أن تنقلِب الآية في ما بعد. لذا، يستمر في البحث عن سور يحفظ به نفسه وحزبه. صحيح أن الطريق إلى الشام مقطوعة، لكنه لا يزال يلتجئ إلى بعض من ميراثها، وهو اتفاق الطائف، لأنه يعلَم أن أي تغيّر فيه سيؤدي إلى انتهاء الدور الذي أدّاه طوال الوجود السوري، وأخذ بالتراجع في السنوات الأخيرة. وفضلاً عن الطائف، يستمرّ جنبلاط في السعي إلى حماية نفسه بالاستناد إلى مشايخ الطائفة، لمواجهة كل محاولات «تحقيق خرق في الساحة الدرزية». وبناءً عليه، تقرر عقد لقاء درزي استثنائي موسع اليوم ردّاً على لقاء الأحد الذي أطلق فيه كل من رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني ورئيس حزب التوحيد العربي، في أربعين مرافق الأخير محمد أبو ذياب في الجاهلية (الشوف) مواقف عالية النبرة ضدّ جنبلاط.
ثمّة من يتعاطى مع «لقاء الخميس» (اجتماع الهيئة العامة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز ) الذي سينعقد في دار الطائفة اليوم، على أنه سيرسُم خطاً عريضاً بين ما قبله وما بعده. إذ يشكّل إعلاناً بالفم الملآن، أن المعركة التي يخوضها جنبلاط، معركة «يكون أو لا يكون»، يستخدم فيها جرس الإنذار الطائفي ضد كل من يُصارعونه ونجله تيمور على الزعامة الدرزية. تقول أوساط معنية باللقاء إنه سيشهد «رفع الصوت ضد أرسلان ووهاب معاً، كذلك سيؤكّد شرعية المؤسسات الدرزية، إذ إن المجلس انتخب وفقاً للقانون على عكس ما تحاول بعض المرجعيات الروحية والسياسية في الطائفة تصويره». في المقابل، يقول معارضون لنائب الشوف السابق إنه «اجتماع لمجلس مذهبي اشتراكي بحضور جنبلاط ونواب اشتراكيين سابقين وحاليين ووزراء اشتراكيين حاليين وقضاة جنبلاطيين»، معتبرة أنه «ليسَ لقاءً جامعاً بسبب مقاطعته من قبل الحزب الديمقراطي والتوحيد وشخصيات وازنة في الطائفة».
وهاب: هذا لقاء الفريق الواحد. فريق وليد جنبلاط ولا يتحدث باسم الدروز


بالنسبة إلى وليد جنبلاط هو «لقاء عادي يُعقد دورياً»، بحسب ما يقول لـ«الأخبار»، مؤكداً أنه «أُجِّل عن الموعد المحدد له يوم الثلاثاء الماضي، لأن حضوري كان مُتعذراً». لماذا إذاً أُعطي اللقاء صفة الاستثنائي؟ يقول أمين سرّ المجلس المذهبي الدرزي نزار البرادعي إن «الإشارة إلى استثنائية اللقاء تكمن في أنه يُعقد في موعد غير موعده العادي»، مؤكداً أنه «ليسَ رداً على أحد، بل يعقد جلساته من منطلق أنه موقع وطني يحصُل داخله نقاش في قضايا وطنية مطروحة، ويتناول الوضع الداخلي للطائفة كما في كل مرة»، مؤكداً أنه «مقرر منذ ما قبل احتفال الأحد (الجاهلية)».
في غياب المعطيات الأكيدة عن الهدف من اللقاء، يراه وهّاب «لقاء الفريق الواحد بين الحزب التقدمي الاشتراكي ومجلسه ومشايخه»، قائلاً لـ«الأخبار»: «لدينا صيغة أخرى ومشايخ وشيخ عقل هو ناصر الدين الغريب». واعتبر وهاب أن «اللقاء لا يُمكن أن يكون جامعاً ولا يعبّر عن كل الطائفة ولا يستطيع أن يتحدّث باسم الدروز، فهناك شخصيات كثيرة خارجه من المير طلال أرسلان إلى النائب السابق فيصل الداوود ومشايخ كثُر». بدوره يؤكد مدير الإعلام في الحزب الديمقراطي اللبناني جاد حيدر، أن «الديمقراطي والعديد من الأحزاب الدرزية ليست معنية بهذا اللقاء، الذي هو خير دليل على فرض فكرة الأحادية والهيمنة داخل الطائفة الدرزية، إذ إن كل من سيحضر لقاء اليوم، اشتراكي الانتماء والهوى».