لا يحتاج الأمر إلى نصوص قانونية، لمعرفة أنّه لا يجوز لأي مسؤول رسمي أن يحمل أكثر من جنسية. في المنطق، يُفترض أن يكون هذا «المسؤول»، مُمثلاً لدولته، وحامياً لمصالحها وحدها. تعدّد الجنسيات يعني أنّ الشخص «مواطن» في أكثر من دولة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات عن احتمال تعدد الولاءات. يكاد يكون هناك إجماع «دولي» على هذه «المُسلّمة». في الولايات المتحدة، يذهب القانون أبعد من ذلك: اضطر غابي عيسى إلى التخلي عن جنسيته الأميركية قبل تعيينه سفيراً للبنان في واشنطن، لضرورات القانون الأميركي لا اللبناني. ليس مُبالغة القول إنّ تعيين مسؤول، يملك جنسية ثانية (أو أكثر)، سهمٌ يُصيب الأمن القومي للدولة. والأخطر، أن يكون أحدهم قد سعى إلى الحصول على جنسية أخرى، خلال فترة خدمته. مُناسبة الحديث ما حصل مع أحد الديبلوماسيين اللبنانيين، وكان عضواً في بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف. فقبل قرابة الشهر، نال الديبلوماسي المذكور، الجنسية السويسرية. «درعُ حماية» الرجل، أنّ القانون اللبناني لا يعتبر ما قام به مُخالفة، مع غياب أي نص يمنع هذه الخطوة.عام 2005، عُيّن الديبلوماسي المذكور في بعثة لبنان في جنيف، في أوّل منصب خارجي له، ليبقى فيه حتى العام 2017. سنوات طويلة، ترقّى خلالها الرجل، من الفئة الثالثة إلى الفئة الثانية، ومن المفترض أن تشمله التصنيفات بعد سنتين، ليُصبح سفيراً. كانت الحجّة، لبقاء الديبلوماسي في منصب واحد كلّ هذه المدّة، الفراغ الرئاسي وتوقف المناقلات الديبلوماسية، ما سمح له بمراكمة سنواتٍ من الإقامة في سويسرا (يُجيز القانون السويسري التقدّم بطلب الحصول على الجنسية بعد إقامة الفرد على الأراضي السويسرية مدة 12 سنة). على رغم أنّ مصادر ديبلوماسية، تؤكّد بأنّ ديبلوماسيين آخرين من الدورة نفسها، جرى نقلهم إلى مراكز أخرى، كون تشكيلات الفئة الثالثة ليست بحاجة سوى إلى قرارٍ من الوزير، وقد طُلب من «الديبلوماسي السويسري» الانتقال إلى مراكز عمل أخرى، «ولكن أُجهضت المحاولات نتيجة تعرّض الإدارة المركزية إلى ضغوط من رئاسة البعثة في جنيف، تحت تهديد حلّ البعثة في حال نقل الرجل!». بعد التشكيلات والتعيينات الجديدة في الـ2017، أُعيد الديبلوماسي إلى الإدارة المركزية، فتقدّم بطلب «وضعه خارج الملاك مؤقتاً، بحجّة العمل لسنة مع منظمة في جنيف». كانت تلك وسيلته لمُتابعة ملف الحصول على الجنسية. عاد إلى بيروت وسيخدم حالياً في الإدارة المركزية، بعد أن فشلت محاولاته ومحاولات بعثة لبنان الدائمة في الأمم المتحدة لنقله إلى نيويورك خلفاً للديبلوماسي بشير عزّام، لوجوب بقائه في الإدارة لسنوات، قبل إعادة تشكيله إلى الخارج.
انتشار الخبر بين الديبلوماسيين، أثار امتعاض عددٍ منهم، وكان مادّة لطرح العديد من الأسئلة. تسأل مصادر ديبلوماسية إن كانت هذه السابقة ستتحول إلى «مادة مُنافسة جديدة بين موظفي السلك، ليتم تعيينهم في دول يحصلون منها على جنسيات ثانية؟ وهل ستُصبح هذه المهنة الحساسة، مكشوفة بسبب الطامحين إلى جنسيات أخرى؟». في المقابل، توافق مصادر رسمية في وزارة الخارجية والمغتربين على أنّ خدمة الديبلوماسي في الخارج «لا تُعدّ إقامة»، مُستدركةً بأنّه حصل عليها «بعد أن طلب وضعه خارج الملاك». ولكن فترة تجميد «عضويته» في السلك انتهت، وهو عاد ديبلوماسياً ذا وجه لبناني وآخر سويسري، إضافةً إلى أنّه بدأ العمل على طلب الجنسية أثناء خدمته في البعثة. أمام غياب الرادع القانوني، لا تجد مصادر «الخارجية» من ردّ سوى القول إنّه «أصولاً، يُفترض بالديبلوماسي أن يُمثّل بلده، لا أن يسعى إلى جنسية أخرى. ولكن لا يُمكن اتخاذ أي إجراء بحقه، سوى عدم تعيينه مُستقبلاً في سويسرا». هل من حالات سابقة مماثلة؟ «كلا. من الممكن أن يسعى ديبلوماسيون إلى أن يحصل أولادهم على جنسيات أخرى. وهناك أحد السفراء السابقين في البحرين، الذي حصل بعد تقاعده على الجنسية البحرينية».
يسأل عدنان منصور لمن سيُصبح ولاء الديبلوماسي إذا حصل على جنسية ثانية؟


المشكلة أنّ ما قام به الموظف في ملاك وزارة الخارجية والمغتربين، ليس حالةً فردية. فما يُبيح له، ولغيره من المسؤولين، السعي خلف جنسية أخرى، أنّ قسماً كبيراً من «حُرّاس الدولة»، هم أصلاً مُتعددو الانتماءات، على العكس مثلاً، من الأنظمة في العراق ومصر التي تفرض على من يُريد تبوّء مركز رسمي، التخلّي عن كلّ جنسية أخرى. ليس «أمراً طبيعياً»، أن يكون رئيس الحكومة مواطناً سعودياً، وتعتبره السلطات في السعودية مُمثلاً لمصالحها في لبنان، وحين لا يُنفذ ما هو مطلوبٌ منه، يُستدعى إلى الرياض ويُجبر على تقديم استقالته من منصبه الرسمي اللبناني! قائد سابق للجيش اتُّهم (قبل أن يُنتخب رئيساً للجمهورية) من قبل القضاء الفرنسي بتزوير وثائق للحصول على جوازات سفر فرنسية، قبل أن تسقط عنه التهم. نوّاب في المجلس النيابي يتباهون بأنّهم مواطنون أوروبيون وأميركيون وعرب.
يقول وزير الخارجية السابق عدنان منصور إنّ منطق الحصول على جنسية أخرى «غير سليم». في معظم الدول، «حتّى الزواج من ديبلوماسي أجنبي/ة ممنوع، لتحسّب اطلاع الشريك على معلومات سرية». يعتبر منصور أنّ الديبلوماسي «يتبوأ مراكز حساسة. يجب أن نعرف، إذا حصل على جنسية أخرى، لمن سيُصبح ولاؤه؟ وهل سيُراعي مصالح البلد الثاني؟ وإذا كان البلد الذي حصل على جنسيته لديه مواقف مُعادية للبنان، ماذا سيكون موقف الديبلوماسي؟». الحقّ يقع على «القانون الذي لا يمنع الحصول على جنسية أخرى أو الزواج من ديبلوماسي أجنبي». فلا يبقى من حلّ أمام هذا الواقع، سوى العمل على تعديل القانون، ومنع المناصب الرسمية على «مزدوجي الانتماءات».