رغم أن أكثر من طرف سياسي ادعى أبوّته للتسوية الرئاسية، وانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، لكن لا بد من الاعتراف بأن حزب الله هو الذي أدى الدور الاول، إن لم يكن الوحيد، في إيصال عون رئيساً للجمهورية، وانجاز تسوية رئاسية وحكومية متكاملة. فالحزب الذي رفض اي مرشح رئاسي آخر، وعطل الانتخابات الرئاسية، طيلة سنتين ونصف سنة، وفق التعبير الذي استخدمه خصومه، نجح في ان يحصد نتيجة ما زرعه من تفاهم، واستثمر في تسوية رئاسية أدت حتى الآن غرضها. أوصل حزب الله عون الى رئاسة الجمهورية، مهما سعى التيار الوطني والقوات اللبنانية الى التعامل مع هذا الانتخاب على انه وليد ورقة إعلان النيات بينهما لأنها عبّدت الطريق مسيحياً أمام عون. مع تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري، كان للحزب أيضاً ما أراده، في استكمال التسوية وإنجاز تشكيلة حكومية ترضيه، لجهة توزع الحقائب والتمسك مع الرئيس نبيه بري بوزارة المال، وعلى قاعدة انها حكومة تسوية تؤدي غرضها كحكومة إشراف على الانتخابات.
واذا كان الحزب حقق ايضاً غايته من هذه الحكومة، الا ان انتصاره الواضح أتى من خلال قانون الانتخاب الذي اعتمد النسبية، للمرة الاولى في تاريخ لبنان. ورغم ان القانون الذي تبنى أكثر من طرف سياسي أنه مسؤول عن إنجازه بعد تعثّر سنوات طويلة، الا ان الحزب تمكن من فرض النسبية وان كانت مطعمة، بعد مطالبات طويلة الأمد بضرورة تحقيقها في لبنان. ورغم عشرات الاقتراحات ومئات الاجتماعات، رسا الاتفاق في اللحظات الاخيرة على النسبية التي بدأت الطبقة السياسية تستوعب معنى نتائجها بعد الانتخابات، ومع مفاوضات تشكيل الحكومة. اقتصادياً ايضاً، صار للحزب تأثير مباشر مع دخوله على خط القضايا المعيشية، اذ كان له موقف واضح من سلسلة الرتب والرواتب التي دعمها وجعل إقرارها ممكناً.
مع مفاوضات تشكيل الحكومة، بدا للجميع ان الحزب يقف خلف حليفه الرئيس نبيه بري أو خلف التسوية الرئاسية وممثليها المباشرين. لكن اعلان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله موقفه في ما خص تمثيل حلفائه، حسم أي شك، فالحزب لا يتلطى خلف احد. وكذلك حسم أمره بتسلمه وزارة الصحة، واعطاء حليفه تيار المردة وزارة الاشغال، ورفض اي مس بحقائب حلفائه، الى ان أنهى اي التباس بتمسكه بتمثيل حلفائه السنّة. في الاشهر الماضية والاسابيع الاخيرة، لم تبق فكرة أو طرح لم يتم تداوله، واخرج رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف ووزير الخارجية جبران باسيل كل ما عندهم من اقتراحات لإنقاذ الحكومة، تتعلق إما بالحقائب وإما بالاعداد، للقفز فوق مقترح الحزب. واذا كانت الانظار توجهت في اليومين الماضيين الى بعبدا، علها تخرج اقتراحاً عملياً ينهي الازمة الحكومية، فلا بد من التذكير بأن جولة مشاورات مماثلة جرت قبل اشهر، ولم تنتج شيئاً، لا بل زادت التعثر الحكومي. كذلك فإن المفاوضات الماضية التي أنجَزت حل عقدتي القوات والحزب التقدمي الاشتراكي، أظهرت كِباشاً سياسياً لم يكن واضحا الى هذا الحد، هو التباين بين حزب الله والعهد حول الحكومة وملفات متصلة بها. وهذا يؤدي الى معادلة بسيطة: ما حصل في رئاسة الجمهورية والحكومة وقانون الانتخاب، سيتكرر اليوم. حين يوافق حزب الله على المقترحات، او حين يوافق الآخرون على مقترحاته، ستبصر الحكومة النور. وهذا لم يحصل حتى الآن.
واي تمسك من العهد، رئيساً ووزير خارجية، أو رئيس الحكومة، بمواقفهم من دون الاخذ باقتراحات الحزب، سيرتد مزيداً من تجميد الحكومة. وهذا الامر لا يبدو محسوماً عند الحزب فحسب، بل يتحدث فيه أيضاً سياسيون من الذين يتعاطون في مفاوضات الحكومة مباشرة: ما يطلبه حزب الله سيحصل عليه في النهاية، ما يعني ان المماطلة لن تفيد أي طرف، وان الحكومة لن تبصر النور، الا إذا تنازل رئيس الجمهورية وقبِل تمثيل سنّة 8 آذار، ما دام يريد أن يرضي الحريري الرافض لتمثيلهم من حصته. وقد يكون ذلك أوضح اتجاه يسلكه الحزب، لا سيما انه تحدث بذلك علناً واكثر من مرة وعلى لسان مسؤوليه.
أما تمسّك التيار مثلاً بأنه أوقف حكومات سابقاً كي يحصل على ما يريد، فهذا موقف لا يمكن ان يُصرف اليوم، لان التيار لم يحصل على ما يريده في الحكومات السابقة الا بموافقة الحزب ووقوفه الى جانبه. ولا مصلحة للتيار أو العهد بعرقلة مسار التفاوض، لأن العهد هو الذي يخسر، والتيار لا يمكن ان يرمي كرة التعطيل عند اي طرف آخر، ما دام رئيس الجمهورية دخل بنفسه على خط الازمة، بعدما كان كلف وزير الخارجية التفاوض مع القوى السياسية. وان لم يتمكن العهد من تحقيق الخرق المطلوب لتشكيل حكومته التي أكثَرَ من رهانه عليها، فهذا ينعكس عليه ويأكل من رصيده، لأنه فشل في خرق جدار الأزمة.