التحريض المرافق لـ«الأعمال الهندسية» التي ينفذها جيش العدو الإسرائيلي على الحدود مع لبنان، للبحث عمّا قيل إنه أنفاق، لم يؤدّ إلى النتيجة المأمولة إسرائيلياً من الجانب اللبناني. هذا دفع تل ابيب، في اليومين الماضيين، إلى محاولة «ترميم» هذا الفشل عبر إطلاق تهديدات شارك فيها عدد من الوزراء الاسرائيليين.لكن هذه التهديدات جاءت ربطاً بالحرب، إن وقعت مع لبنان، وليس بالأنفاق نفسها. وهي تهدف، كما يبدو، الى إقلاق الداخل اللبناني، في موازاة الحديث المفرط عن الأنفاق، ومن دون أي التزام إسرائيلي فعلي بها (التهديدات).
رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، على غرار مواقفه منذ بداية الحديث عن الأنفاق الحدودية، استمر في الابتعاد عن التهديدات العسكرية والأمنية، وركز على ضرورة تضافر الجهود الدولية لفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية ضد حزب الله. وأشار الى أن إسرائيل تهدف الى اغتنام حقيقة اكتشاف «أنفاق حزب الله الإرهابية» لتكثيف «النضال السياسي» الرامي الى فرض عقوبات اقتصادية أشد على هذه المنظمة وعلى إيران.
ما لم يرد على لسان نتنياهو، في المنحى التنفيذي لاستخدام سردية الأنفاق و«النضال السياسي»، ورد على لسان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي رونين مانيليس. الأخير انتقد القيادة السياسية والعسكرية اللبنانية لتقاعسها في مواجهة حزب الله رغم الكشف عن الأنفاق، وشمل انتقاده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، مطلقاً تهديدات بتدمير لبنان عبر صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية.
فشل المأمول إسرائيلياً من الجانب اللبناني دفع العدو الى زيادة منسوب التهديدات... الوقائية


في تهديدات إسرائيل في اليومين الماضيين، وامتناعها في الوقت نفسه عن التسبب بأي احتكاك، بما في ذلك تراجعها في أحداث نقطوية على الحدود، يبدو واضحاً أن منسوب التهديد المرتفع يستبطن خشية إسرائيلية، ومحاولة لمنع أي احتكاك إبان الفترة الزمنية المقرر أن تستمر خلالها «الأعمال الهندسية» على طول الحدود. فالعدو أعلن أن ذلك قد يستغرق أشهراً، مع الإقرار بصعوبات ميدانية وجغرافية. وخلال هذه المدة الطويلة، هناك خشية من تعرض وحدات التنقيب والقوات التي تعمل على حمايتها لاحتكاك يفضي إلى خسائر في الجانب الإسرائيلي، أو لتجمعات مدنية مضادة لإسرائيل على الحدود بدأت تتسرب أحاديث حولها، ما يعني انقلاب المشهد الميداني والسياسي رأساً على عقب، وبما لا يمكن للقيادة الإسرائيلية تحمله. أما سيل التهديدات، فيأتي في خدمة المنع الاستباقي الوقائي لأي تطور في هذا المجال.
في رواية الأنفاق وسياقها، يبدو لدى إسرائيل قدر من الأمل بالتوازي مع قدر من ترقب الفشل في الدفع الى تبني مطالبها وقيام طرف ثالث بمواجهة حزب الله. وفي الاستخدام المفرط لسردية الأنفاق، يبدو، أيضاً، أن القيادة الإسرائيلية مندفعة حتى النهاية في إحداث الجلبة و«تجربة» ما جُرّب في الماضي، إن لجهة الرهان على نتائج التحريض في الداخل اللبناني أو لجهة الدفع لتغيير مهمة اليونيفيل للاحتكاك، أو للضغط الخارجي على لبنان. لذلك، يبدو أن مسار الأنفاق واستمرار الصراخ الاسرائيلي حوله سيمتدان طويلاً، وعلى اللبنانيين توقع المزيد من الصراخ الذي يُقدّر أن تتبدّل تلويناته وحدة نبرته مع مرور الوقت، خصوصاً أن إسرائيل تعتبر، كما ورد على لسان عضو المجلس الوزاري المصغر يوفال شتاينتس، أن عملية «درع الشمال» (أي كشف الأنفاق واستخداماتها) تأتي في سياق المعركة التي تقودها لمنع التعاظم (العسكري) لسوريا ولبنان (حزب الله) وإيران. وهذا يعدّ تحميلاً للواقع ما لا يحمل.