كان اجتماع نقابة أوجيرو أمس مليئاً بالمفاجآت، التي أتت لتزيد الشكوك المتعلقة بمصير العمال والهيئة على السواء. لم يقتنع المجتمعون ببيان الإدارة الذي أعلنت فيه أن لا نية لتلزيم الصيانة لشركة خاصة، كما لم يقتنعوا بإشارتها إلى توقيع عقد الصيانة بينها وبين وزارة الاتصالات عن عام 2018.كان واضحاً بالنسبة إلى المجتمعين أن الإدارة تراوغ وتتجنب الحقيقة في مسعى منها لطمأنة الموظفين أولاً، ولرد الاتهام عنها ثانياً. مع ذلك، فقد بدا البيان الصادر عن المجلس التنفيذي للهيئة مغايراً لمضمون الاجتماع، الذي تأكد خلاله الموظفون أن كل ما نشر دقيق، وخاصة لناحية نية الإدارة تلزيم جزء من الصيانة إلى شركة خاصة، ولناحية عدم وجود عقد صيانة نافذ بين الوزارة والهيئة، منذ عامين.
في البيان المقتضب الموجّه إلى الموظفين، إشارة إلى أنه جرى التواصل مع وزير الاتصالات «الذي دحض كل ما ورد في وسائل الإعلام، مؤكداً دور أوجيرو المستقبلي من خلال المرسوم ٣٢٦٩ الذي أعطى لأوجيرو صلاحيات تسمح لها بتشغيل وصيانة وتحديث وتوسعة المنشآت والتجهيزات وجباية الفواتير لوزارة الاتصالات»، مع إمكانية «تكليف الهيئة مهمات أخرى».
ذهب الجراح بذلك إلى الخيار الأسهل. إلى تحميل المسؤولية للإعلام لمجرد أنه تطرق إلى حقيقة المخاطر التي تواجه هيئة أوجيرو، بدلاً من أن يضع الأمور في نصابها أمام ممثلي الموظفين. لم يقل لهم مثلاً لماذا لم يوقّع عقد الصيانة بالرغم من مشارفة العام على الانتهاء (يفترض أن يوقّع العقد قبل بداية العام)، كذلك لم يعلمهم بحقيقة نيته الاستعانة بشركة خاصة لتنفيذ جزء من الصيانة، هو الذي لطالما اشتكى من تراجع خدمات الصيانة، وهي الشكوى التي تبرأت منها إدارة الهيئة، محمّلة المسؤولية لمديرية الشبكات.
مع ذلك، لم يشكل كلام الجراح مفاجأة، بل جاء ليستكمل ما كانت إدارة أوجيرو قد بدأته لناحية السعي إلى الالتفاف على اجتماع النقابة عبر بيان تفيد مصادر أوجيرو بأنه صدر بناءً على طلب من وزارة الاتصالات.
لكن هذا التناغم المستجد لا يلغي حقيقة أن إدارة أوجيرو نفسها سبق أن اشتكت من تعامل الوزير مع الهيئة، كما سبق أن حمّلته مسؤولية تردي خدمات الصيانة لعدم توقيعه العقد معها ولرفضه تسديد 160 مليار ليرة متأخرة تندرج في إطار الإنفاق الاستثماري. وأكثر من ذلك، فإن المطالبات التي كانت ترسلها أوجيرو للوزارة كانت تصطدم برفضه الاستجابة لها بحجّة أن مشروع العقد يشير إلى تسديد الأموال على أربع دفعات.
المفارقة أن أوجيرو نفسها كانت تعتبر أن «مشروع العقد» ليس سارياً، وأن الوزير طلب منها في كانون الثاني 2018 الاستمرار بتنفيذ الأعمال وخدمات الصيانة والتشغيل والتوسعة بناءً على العقد السابق الموقع بين الطرفين في مطلع عام 2016 في انتظار انتهاء الإجراءات المتعلقة بالعقد الجديد.
بعد سنتين لم يتغير الواقع، لكن موقف أوجيرو تغير. لم يوقّع العقد، ولم تحصل الهيئة على الأموال من الوزارة لتغطية النفقات الاستثمارية، بل لجأت إلى إنفاق الأموال من حساب الهيئة، خلافاً للقانون، وبما يعرّض من تصرّف به إلى الملاحقة أمام النيابة العامة المالية وأمام التفتيش المركزي. يدرك مدير المالية الذي شارك في اجتماع النقابة ذلك جيداً، هو الذي أوضح للمجتمعين أن الصرف يجري «من الاحتياط المتراكم لدينا».
صار الخلاف من الماضي. العلاقة ممتازة بين إدارة أوجيرو والوزارة حالياً. حتى قيادة النقابة ركبت الموجة، داعية في بيانها «جميع الزملاء العاملين في هيئة أوجيرو إلى عدم الانجرار وراء الشائعات المغرضة التي تطلقها جهات تحاول الاصطياد بالماء العكر، مع التذكير بالاحتكام فقط إلى البيانات الصادرة عن المجلس للتنفيذي لنقابتكم».
نقابة أوجيرو تأكدت أن الإدارة سعت إلى تلزيم جزء من أعمال الصيانة


كل من حضر اللقاء يدرك أن البيان لا يستوي مع مضمون الاجتماع، الذي أُكِّد خلاله كل ما جرى تناقله من أخبار وأكثر، خاصة ما يتعلق باستمرار أوجيرو في عملها من دون عقد موقع مع الوزارة، وما يتعلق بسعي إدارة أوجيرو أكثر من مرة إلى الطلب من مديرية الشبكات وضع تقرير عن الأعمال غير المنفذة تمهيداً لتلزيمها لشركة خاصة.
في اجتماع نقابة أوجيرو الذي عقد أمس على مدى ساعات، اتُّفق على طلب موعد من وزير الاتصالات للوقوف منه على حقيقة ما يُتداوَل، علماً أن إدارة الهيئة كانت قد نجحت في امتصاص أي رغبة في التصعيد، مؤقتاً، عبر تأكيدها البيان الذي سبق أن صدر عنها بأن لا نية لدى الوزارة بالتعاقد مع أي شركة خاصة.
لم يقفل الملف هنا، وهو لن يقفل قريباً، بعد أن وضعت لجنة الإعلام والاتصالات يدها عليه. فقد دعا رئيس اللجنة النائب حسين الحاج حسن إلى اجتماع يعقد الثلاثاء 18 الحالي، لدرس ومناقشة: أوضاع أوجيرو، ما يتردد عن عقود جديدة لوزارة الاتصالات مع شركات خاصة، وما يتردد عن حصرية لشركات خاصة في موضوع الكابلات التلفزيونية.