ليس مفاجئاً تكرار الدعوات في إسرائيل إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. بل إن ما ينبغي التوقف عنده هو الإصرار على تواصل هذه الدعوات وتكرارها عبر قنوات وجهات متعددة، وفي أكثر من مناسبة. وينبع هذا الإصرار، بالاستناد الى ما ورد في العديد من التقارير والدراسات، مما يتمتع به من مزايا أهّلته للقيام بدور دفاعي وهجومي على حدّ سواء في حركة الصراع مع إسرائيل، إذ تمكّن من خلال هذه المزايا من لعب دور كبير جداً في تحصين بيئة المقاومة وإدارة معركة الجاهزية التي عزَّزت حماية لبنان وعمق المقاومة، وصولاً الى ما تتمتع به شخصيته من قدرات هجومية من خلال تأثيره الكبير على كيان العدو، في مؤسسات صناعة القرار السياسي والعسكري، وجمهوره. وهو ما تم إجمال وصفه بأنه بات يمثل «مركز ثقل» المقاومة.المستجد النوعي في هذا المسار ما ورد في مجلة الجيش الاسرائيلي الرسمية، «معرخوت»، في مقالة كتبها العقيد روعي ليفي، أكد فيها ضرورة تنفيذ «اغتيال مركّز» للأمين العام لحزب الله، عبر قوات كوماندوس مدعومة من سلاح الجو... وتنطوي هذه الدعوات التي صدرت على لسان أكثر من جنرال اسرائيلي، بعضهم مقرّب من دوائر القرار، على أكثر من مؤشر يتصل بالمرحلة السابقة والحالية واللاحقة. وتكشف ليس فقط عن مساعي من يسعون الى تنفيذها، لو استطاعوا، بل أيضاً عن حجم المساعي الفاشلة التي بذلتها إسرائيل وحلفاؤها الدوليون والاقليميون في هذا السياق، وبشكل أخص منذ حرب عام 2006. وما توالي هذا الصراخ الاسرائيلي وتأكيد ضرورة اغتيال السيد نصر الله إلا تعبير عن إدراكهم للخطورة الكامنة في استمرار قيادته ودوره في إدارة المواجهة.
في الدور الدفاعي، حوَّل الحضور الراسخ للسيد نصر الله في وعي بيئة المقاومة ووجدانها، هذه البيئة الى حصن منيع أسهم في احتواء الكثير من الهجمات التي تستهدفها في وعيها وخياراتها ومواقفها. وخصوصية هذا الدور تنبع كما عبَّر رئيس أركان الجيش الاسرائيلي غادي أيزنكوت خلال عام 2010 (كان يتولى في حينه قيادة المنطقة الشمالية) بقوله إن «الشيعة مركز ثقل حزب الله»، ويعني ذلك في قواعد الصراع أنها هدف مباشر للعدو ينبغي استهدافه بكافة السبل المتاحة، انطلاقاً من أن إسقاطها يعني الانتصار في المعركة.
في السياق نفسه، يقود السيد نصر الله أكثر من معركة بشكل متواز، من ضمنها معركة الجاهزية، وتحصين حماية لبنان وعمق المقاومة. احتدمت هذه المعركة منذ ما بعد حرب عام 2006، واستطاع خلالها وعبر رسائله التي استندت الى التفاف صلب للمقاومة وبيئتها حول قيادته، الى إرباك حسابات مؤسسة القرار السياسي والامني في تل أبيب... أدت في النهاية الى توفير مظلة ردع حمت لبنان وعمق المقاومة، وأدت أيضاً الى تطور قدرات المقاومة على كافة المستويات. هذه المفاعيل والأبعاد التي تنطوي عليها، بدا حضورها المدوي بارزاً ايضاً لدى الخبراء والمعلقين. من هنا لم يُخفِ الكاتب في مجلة جيش العدو خلفية الدعوة الى اغتيال السيد نصر الله، بالقول إن ذلك يعود الى «شخصيته وخبرته العسكرية التي حوَّلته الى مركز ثقل، (يؤدي) المس به الى النيل من كل المنظمة (حزب الله)، من كبار قادتها الى آخر مقاتل، وهكذا يتم ضرب الروح القتالية للعدو». ويُعبِّر مفهوم «مركز الثقل» عن تشخيص دقيق لنقاط قوة المنظومة المعادية وضعفها... يفترض أن تؤدي مهاجمتها الى إفقاده حريته في العمل الاستراتيجي وقدرته على مواصلة القتال، أو على الأقل «هزّ نماذجه القتالية».
ديان: الجمهور الاسرائيلي يصدق ما يقوله نصرالله وهو يفهم نفسية الإنسان في إسرائيل


على مستوى المزايا الهجومية التي تتمتع بها شخصية السيد نصر الله، (التأثير في واقع كيان العدو)، شكل هذا الدور منطلقاً للإصرار على السعي الى اغتياله، وهو ما برز في الفترة الأخيرة. ومن ضمنها ما صدر على لسان مستشار الامن القومي الاسرائيلي السابق، اللواء عوزي ديان، الذي رأى أن «تصفية نصر الله ينبغي أن تكون الهدف الاول» وأرجع ذلك الى ما سمّاه «التأثير الهائل على الاسرائيليين»، وتابع في شرح هذا التأثير بالقول إن «الجمهور الاسرائيلي يصدق ما يقوله... وإنه يفهم نفسية الانسان في إسرائيل. وهو مطّلع على السياسة الإسرائيلية، ويميز بشكل معمق التيارات العميقة في المجتمع الاسرائيلي».
قبل ذلك، تناول العقيد غابي سيبوني المزايا الهجومية للسيد نصر الله، في «نيوزويك» الأميركية (2017-10-18)، حيث شدد على «ضرورة مواجهة خطاباته المعرفية وتأثيرها السلبي في الجمهور والجيش الإسرائيليين، في زمن الحرب واللاحرب». وتوقف عند دور السيد نصر الله في المعركة على الوعي التي باتت جزءاً أساسياً من أدوات المعركة التي تخوضها المقاومة وكيان العدو. وحذَّر ايضاً من أن رسائل السيد نصر الله يمكن أن تؤثر في زمن الحرب على «معنويات الجمهور وعلى الجيش، وتؤثر ايضاً على تخطيط إسرائيل وعملياتها».



«آمان» وشخصية نصرالله
يعود إدراك قادة العدو لخطورة الدور الذي لعبه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الصراع ضد اسرائيل، الى تسعينيات القرن الماضي. وهو ما لخّصه رئيس الاستخبارات العسكرية، «آمان»، في حينه، اللواء عاموس مالكا، في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت (اليكس فيشمان وسمدار بيري/ 26/9/2001)، بالقول «أنا مضطر الى القول إن الشكل الذي يدير ويقود من خلاله تنظيمه يجذبني. إنه ينطوي على الدمج بين التفكير الاستراتيجي والسيطرة الكاملة والعمل التكتيكي واستغلال العامل النفسي». وأضاف مالكا أن نصر الله «شخصية تجذب كل رجل استخبارات بشكل مطلق. أشعر بأنني أفهم مركبات كثيرة لديه، لكن تواضعي الاستخباري، ولأول وهلة، لا يسمح لي بالقول إنني أعرفه سابقاً».