‎‎منذ بداية المشاورات بشأن تشكيل الحكومة، كان موقف فريق 8 آذار السياسي، أنّ النواب من الطائفة السُّنية المُعارضين لتيار المستقبل، «بدّن يتمثلوا ما في مجال»، وإلا فالحكومة لن تُبصر النور (ورد هذا الموقف، في تقرير نُشر في «الأخبار» بتاريخ 12 حزيران، نقلاً عن مصادر في «8 آذار»). فالرئيس المُكلّف سعد الحريري، «لا يستطيع أن يُغيّب القوى الأخرى، أو يتغاضى عن نتيجة الانتخابات. مبدأ الإلغاء مرفوض، ويجب أن يتمثّل من يملك حيثية ما»، كما قيل في حينه. المطلب - «الحقّ» نفسه، اتفق عليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، خلال لقائهما في أيار الماضي. الهدف منذ البداية، كان تثبيت «مبدأ» توزير أحد النواب «السُّنة» العشرة، بصرف النظر عن الاسم المُختار. وقد أُبلغ هذا الموقف إلى كلّ القوى المعنية بتشكيل الحكومة. لذلك، لا يُمكن أيَّ من المراجع، تقديم نفسها حالياً «مخدوعة»، أو تتصرّف كأنّ حزب الله سحب ورقة «تمثيل السُّنة المستقلين» فجأة بعد أن ذُلّلت كلّ العقبات من أمام تشكيل الحكومة. يُدرك المسؤولون، من الرئيس ميشال عون والحريري والأحزاب جميعها، ذلك. ما حصل، عدم «تصديقهم» أنّ حزب الله، قد يوقف فعلاً إعلان «الخبر السعيد» من أجل 10 نواب، توحّد ستة منهم في 19 حزيران ضمن ما سُمّي «اللقاء التشاوري». عزّز من هذا الاعتقاد، وجود مسؤولين داخل «8 آذار»، وتحديداً حزب الله، كانوا يردّون عند سؤالهم عن تمثيل «النواب السُّنة المستقلين» بأنّه مطلب جدّي، «ولكن من غير الأكيد أن يتعرقل التشكيل من أجله، ولا سيّما إذا كانت بقية العقد قد حُلّت». فما الذي «استجد» حتى يتحول الأمر إلى عقدة تبدو حتى الساعة عصية على الحلّ؟‎تقول مصادر في 8 آذار إنّ المطالبة بتمثيل هذه الفئة «لم تكن عقدة، لأنّه لم يُطرح أصلاً من هذا المنطلق. بل كان مطلباً أُبلغ به الجميع. طريقة تعامل القوى المُشكلة للحكومة معه، حوّلته إلى عقدة». تشرح المصادر أكثر بأنّ «البعض قارب الموضوع باستهتار واستخفاف، مُعولاً على أنّ حزب الله سيحلّها بطريقة أو بأخرى. في حين أنّ الأخير، كان جدّياً جداً ولا يُطالب بتوزير واحد من النواب السنّة من باب رفع العتب فقط». انطلاقاً من هنا، كانت الدعوة إلى النواب المستقلين من أجل أن ينضووا في تكتل واحد، لإضفاء «مشروعية» على توزيرهم، بعد أن وُضع معيار وزير لكلّ أربعة نواب. المعيار نفسه الذي «رُكّبت» لأجْله كتلة للنائب طلال أرسلان، حتى يتمكن من «منافسة» الحزب التقدمي الاشتراكي على المقعد الثالث من المقاعد المُخصّصة عُرفاً للدروز في الحكومة. وقد نجحت خطة عون والتيار الوطني الحرّ وأرسلان.
‎لا يتعلّق الأمر فقط بـ«استخفاف» الطرف الآخر بطلب تمثيل «السُّنة المستقلين»، أو اعتبار البعض أنّه «يمون» على حزب الله حتى يتخطّى هذا الشرط. بل طريقة التفاوض التي اعتمدها «الحزب»، وتعتيمه طوال الفترة الماضية على مطلبه، ساهمت في إسقاطه من حسابات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المُكلّف. تردّ المصادر بأنْ «كان هناك تعميم بألّا تُثار ضوضاء حول القصة، التي اعتبرناها مسألة عادية في مشوار التشكيل وستمرّ». وطوال الأشهر الماضية، «كانت العقدتان المسيحية والدرزية مُسيطرتين على المشهد الاعلامي. تظهير العقدة السنية أيضاً في الإعلام كان سيؤزم العملية وسيخلط ردود الفعل الشعبية بالسياسية من دون أي نتيجة». إضافةً إلى أنّه لو لجأ حزب الله إلى سياسة تفاوضية علنية «لكان ذلك أحرج الحريري، وأظهره مُرغماً على توزير واحد من النواب المستقلين.
بري ونصرالله اتفقا ــ خلال لقائهما في أيار الماضي ــ على «حق» حلفائهما السُّنة في التمثيل الوزاري

اعتُمد تكتيك السرية، لتخفيف الاحتقان وإراحة الحريري». لكنّ رئيس تيار المستقبل، ما إن وافقت القوات اللبنانية على العرض المُقدّم لها، «تناسى مطلب توزير النواب السُّنة المستقلين. من غير الممكن أن يفرض تشكيلة، مُتخطياً مطلباً أساسياً، ويتوقع أن يتم القبول بها»، تقول المصادر. فالقصة لا تتعلّق فقط «بالوفاء لحلفاء حققوا أرقاماً عالياً، في ظلّ النسبية، ومن دون منّة من أحد، بل باحترام المعايير التي وضعها عون والحريري». وتُضيف مصادر 8 آذار أنّه «إذا سلّمنا جدلاً أنّ اثنين من النواب الستة هم أصلاً في كتل نيابية (قاسم هاشم والوليد سكرية)، يبقى أربعة نواب فازوا بأصوات سُنية ولديهم حضورهم المستقل، ويحق لهم بوزير».
‎الخلاصة أنّ حزب الله لن يتراجع عن قراره عدم تسليم أسماء وزرائه إن لم يُلحظ تمثيل لـ«المستقلين السُّنة»، ولا يعتبر نفسه معنياً بأي تنازل قد يُقدّم لتسهيل ولادة الحكومة حتى ولو اتُّهم بالتعطيل. «حزب الله مُتفاهم مع شخصيات، وعدها بأنّه لن يُشارك في الحكومة إلا معها»، تقول المصادر. المطلوب من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة «الاستماع إلى النواب المستقلين والاتفاق معهم على مخرج، كما حصل مع النائب السابق وليد جنبلاط، وسيقبل حزب الله بما يجده الحلفاء مناسباً». وعلى الرغم من أنّ «الحزب» يُريد وجود مجلس وزراء حتى يبدأ بتطبيق برنامج عمله المتمحور حول محاربة الفساد، «ولكنّه لن يتراجع أو يسمح بأن يكون عرضة للابتزاز من خلال إثارة المشاكل الاجتماعية وارتفاع الحديث عن تحديات اقتصادية تواجه البلد، من أجل الإسراع بتشكيل حكومة». أما بالنسبة إلى رزمة العقوبات الأميركية الجديدة ضدّ إيران وحزب الله، «فالأخير واعٍ جداً للموضوع، وحريص على أن لا يزجّ الحكومة في صراعه مع الولايات المتحدة الأميركية، وسيكون ذلك واضحاً داخل مجلس الوزراء فور بدء العمل».