لم يكد الرئيس المكلّف سعد الحريري يعود من السعودية، حتى تحوّل سعيه لتشكيل الحكومة إلى سعيٍ جدّي، بعد أشهر من التعطيل بحجج الصراع على الحقائب بين القوى السياسية.مجريات الأيام الأخيرة، من قبول حزب القوات اللبنانية، مرغماً، بالتخلي عن حقيبة العدل، وحل عقدة الحقائب، لا سيّما الأشغال، تؤكّد أن قرار التعطيل كان خارجياً، وبالتحديد سعوديّاً. وما لم يعد خافياً في بيروت، أن لحظة الانكفاء السعودي عن ملفات المنطقة وانشغال حكام الرياض في لملمة أزمة قتلهم الصحافي جمال الخاشقجي، استدعت تحرّكاً سريعاً لدفع الحريري إلى تشكيل الحكومة، مع رغبة أميركية في الحد من نفوذ حزب الله وحلفائه في الحكومة الموعودة.
ويمكن القول أيضاً إن تراجع القوات اللبنانية عن سقوفها المرتفعة، التي كان من الممكن أن تدفع بها خارج الحكومة، سببه أيضاً التشجيع الأميركي ــــ الغربي ــــ السعودي، بالانضمام إلى الحكومة بأي ثمن ممكن، خوفاً من خروج تشكيلة حكومية يكون لحزب الله اليد المطلقة فيها.
هذه الأحداث المتسارعة لا تعني أن الحكومة قيد التشكيل. فمع حلحلة غالبية العقد، وآخرها عقدة تمثيل القوات، يبقى إعلان الحكومة عالقاً أمام رفض الحريري تمثيل النواب السنّة من خارج تيار المستقبل، والذين أثبتت الانتخابات النيابية حجمهم التمثيلي ونيلهم أرقاماً تفوق أرقام المستقبل في بعض الدوائر.
يتصرّف الحريري، برفضه تمثيل معارضيه ومنحهم حصّة عادلة إسوة بغيرهم من القوى السياسية، كأنه صبيحة اليوم التالي لانتخابات عام 2009، وليس انتخابات 2018 التي أكدت أنه لم يعد لديه ترف الادعاء باحتكار تمثيل الشارع السنّي. وأزمة الحريري اليوم، هي محاولته الانقلاب على نتائج الانتخابات الأخيرة، ورفض الاعتراف بمعارضيه، مفضّلاً الدفاع عن القوات اللبنانية، التي تآمرت عليه في لحظة ضعفه، بينما انبرى خصومه، من السنّة وغيرهم في الداخل اللبناني، إلى الدفاع عنه والوقوف بوجه السعودية، لحظة اعتقاله في 4 تشرين الثاني 2017.
عقدة التمثيل السنّي باتت العقبة الوحيدة اليوم أمام تشكيل الحكومة. وفيما أبلغ ثنائي حزب الله وحركة أمل الحريري، أمس، عبر الوزير علي حسن خليل، تمسّكهما بتوزير أحد نواب سنة 8 آذار (الذين سيستقبلهم اليوم كل من الرئيس نبيه بري والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله، الحاج حسين الخليل)، ردّ الحريري بأنه لا يمكن أن يحتمل هذا الأمر، وأنه لن يشكّل الحكومة إذا ما فُرض عليه توزير أحد نواب سنة 8 آذار من حصّته. أكثر من مصدر متابع أكد أن تهويل الرئيس المكلف بالاعتذار أمر غير منطقي، لأن الخاسر الأكبر فيه سيكون الحريري شخصياً، وأن خطته التالية ستكون وقف التأليف ومحاولة تأليب الرأي العام اللبناني ضدّ الثنائي وتحميله مسؤولية التعطيل.
حصة فريق 8 آذار التقليدي متواضعة ولا تعكس حجمه النيابي


ومما لا شكّ فيه أن الحريري يحاول الاستناد إلى معايير، إذا ما طبّقت، تنقلب على الحريري وعلى حصّته الحكومية. بحسبة بسيطة، يمكن القول إن التركيبة الحكومية المطروحة مجحفة بحقّ فريق 8 آذار التقليدي، وتعطي فريق 14 آذار التقليدي أكثر من حجمه. فرئيس القوات سمير جعجع، ورغم تكبيده حزبه هزيمة أدّت إلى «تنفيس البالون» الذي نفخه على مدى 5 أشهر، نال عمليّاً حصّة توازي حجمه النيابي أو تزيد عنه (الهزيمة هنا متصلة بما أصرّ على الحصول عليه، ثم تراجع عنه مرغماً). وفريق 14 آذار التقليدي، إذا أضيفت إليه كتلة وليد جنبلاط النيابية، لا يملك أكثر من فريق 8 آذار من حيث عدد النواب، ولكنه ينال 12 وزيراً ورئاسة الحكومة، ومن دون جنبلاط عشرة وزراء، أي ثلث الحكومة. بينما يملك فريق 8 آذار التقليدي، من دون التيار الوطني الحر، ما يزيد على ثلث نوّاب المجلس، ولا ينال سوى سبعة وزراء مع وزير تيار المردة، وإذا أضيف إليه وزير سنّي ووزير من حصة النائب طلال أرسلان، ينال تسعة وزراء، أي أقلّ من ثلث الحكومة!
أمام تعنّت الحريري، وتمسّك أمل وحزب الله بتمثيل حلفائهما، هل يتدخّل رئيس الجمهورية ميشال عون ويجد مخرجاً، إمّا بمطالبة الحريري بمقعد سنّي ثان أو استبدال وزيره السنّي بوزير من سنّة 8 آذار؟ أم تبقى الحكومة معلّقة إلى أجل غير مسمّى؟