أُصيب الرقيب علي ج. أحد عناصر مديرية المخابرات في الجيش برصاصة في قدمه ونُقل إلى مستشفى الرسول الأعظم أمس. المشتبه فيهما بإطلاق النار شقيقان، إلا أن أحدهما ليست المرة الأولى التي يشتبه فيها بارتكاب جريمة أو بأن يكون شريكاً فيها، بل هو صاحب سجل حافل في إطلاق النار والاعتداء على الممتلكات وأصحابها وفرض الخوات، لكنه لا يزال طليقاً لكونه يحظى برعاية أمنية تحول دون توقيفه، رغم وجود عشرات بلاغات البحث والتحري الصادرة بحقه.يسرح المطلوب محمد ا. (مواليد ١٩٨٣) ويمرح في الضاحية الجنوبية لبيروت. يراكم الرجل القوي في سجله عشرات بلاغات البحث والتحرّي الصادرة عن الفصائل والمفارز القضائية وقضاة التحقيق. حتى إنه ظهر في إحدى المرات أمام عدسات الكاميرا يطلق النار باتجاه حشد من المواطنين وعناصر أمنية، وقد أُصيب ثلاثة منهم برصاصه، هم: أحمد إسماعيل وعلي دياب وأحمد القاق، لكنّ أحداً من الأجهزة الأمنية لم يكلّف نفسه عناء توقيفه. وإن حصل وأوقف، فلا يبقى لأكثر من ٢٤ ساعة، بسبب «تسوية» قام بها برعاية أحد الأجهزة الأمنية. سجلّ هذا المطلوب جعل منه رقماً صعباً يلجأ إليه مواطنون لتحصيل حقوقهم بالقوة. يتدخل لمصلحة أحد المتنازعين. يُهدد ويتوعد ويطلب دفع المال بأسرع وقت، وإلا فسيتعرض المتخلّف عن الدفع للأذى. يؤدي هذه «الوظيفة» مقابل عمولة تحدد بحسب المبلغ المحصّل، علماً بأن مصادر أمنية تقول إنه «تقاعد» وكفّ عن ممارستها، بعد «تسوية» وضعه.
تدقيق بسيط في النشرة الجرمية للمطلوب يكشف أنّ في حقه ٢٩ بلاغ بحث وتحرٍّ لدى القوى الأمنية. تتعدد مضامين البلاغات بحق الشاب الفتوّة: من خطف فتاة قاصر وإطلاق نار واحتيال وسرقة سيارات ومحاولة قتل واغتصاب عقار، وصولاً إلى فرض خوات والتهديد بالقتل، بل حتى قتل أحدهم. إذ تشتبه الأجهزة الأمنية في تأليفه عصابة مسلحة والتسبب بقتل شخص سوري (بلاغ بحث وتحرٍّ صادر عن مفرزة بعبدا القضائية بتاريخ ١٣/٤/٢٠١٧). غير أن هذا الملف أُقفِل بقدرة قادر.
هو مطلوب أيضاً بموجب ستّ وثائق لدى مديرية المخابرات. إذ تتضمن الوثيقة الأولى أنه بتاريخ ١٠/١٠/٢٠١٥ وقع اشتباك مسلّح أمام مستشفى الرسول الأعظم قُتل فيه شاب سوري. وقد تبين أنه وقع بين المدعو محمد ا. من جهة، والمدعو باسم ع. من جهة ثانية، بسبب عدم دفع الطرف الثاني ثمن فنجان قهوة! وذكرت معلومات أمنية أن مشاركة المشتبه فيه محمد ا. في الاشتباك موثّقة بالصوت والصورة، إذ ظهر أمام عدسات إحدى كاميرات المراقبة يطلق النار باتجاه المكان الذي أُصيب فيه الشاب السوري قبل أن يفارق الحياة. هذه الحادثة لم تكن الوحيدة، فقد ذاع صيت المطلوب محمد ا. عندما ظهرت صورته على وسائل الإعلام جراء اشتباك مسلح نتيجة نزاع على ملكية عقار قرب طريق المطار (تشرين الأول 2017).
في ٣٠ آب من العام الحالي، اقتحم المطلوب ذو الحظوة الأمنية مدرسة قيد التأهيل تابعة لحزب الله. عمد يومها إلى تهديد العمال والمهندسين وطردهم اعتراضاً على الشكوى التي قدمتها المدرسة لإزالة «اكسبرس» مخالف يعود إليه. أقيمت دعوى ضده وصدر بلاغ بحث وتحرٍّ بحقه، لكن أحداً من الأجهزة الأمنية لم يوقفه.
شقيقه «سلّم نفسه» لمخابرات الجيش وأقرّ بأنه هو من أطلق النار على الرقيب وأصابه


ليس هذا فحسب. إذ تشتبه مصادر أمنية في أن هذا المطلوب المحمي يحمي عدداً من المشتبه فيهم بترويج المخدرات الناشطين في حي الجورة الشهير، مقابل أموال يدفعونها. لا تنتهي الاتهامات هنا. فقد عاود هذا المطلوب الظهور مجدداً منذ أسابيع أثناء محاولة اتحاد بلديات الضاحية إزالة المخالفات في طريق المطار. فلهذا المطلوب، بحسب التقارير الأمنية، تاريخ من وضع اليد على عدد من العقارات في منطقة الرمل العالي وطريق المطار، بحيث يعمد إلى تأجيرها من دون إذن أصحابها. ولاحقاً يتفاوض مع أصحابها على إخلائها مقابل مبالغ مالية يحصل عليها. يومها افتعل محمد ا. إشكالاً ثم ظهر على قناة الجديد يدعي المظلومية ويزعم أنه يشغل العقار بموافقة أصحابه، وهو ما نفاه صاحب العقار.
آخر ما يُنسب إلى محمد ا. مشاركته مع شقيقه حسين في إطلاق النار على الرقيب في مخابرات الجيش علي ج، قرب طريق المطار أمس. هذه المرة أيضاً، نجا محمد «بأعجوبة»، لا من إطلاق النار، بل من الملاحقة. فشقيقه «سلّم نفسه» لمكتب أمن الضاحية (التابع لاستخبارات الجيش)، وأقرّ بأنه هو من أطلق النار على الرقيب وأصابه. ودليله على ذلك، تسليمه المسدس المستخدم لإطلاق النار.
في السابق، جرى التصدي لظاهرة فارضي الخوات في الضاحية الجنوبية، سواء من حزب الله أو الأجهزة الأمنية، لكن اليوم تساهم مظلة أمنية «خفية» في الحؤول دون توقيف مطلوب بـ34 قضية.