«لبنان بلد غير قابل للإصلاح!». هذه هي الخلاصة التي توصّل إليها موفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بيار دوكان، خلال جلسة عُقدت أمس، بدعوة من السفارة الفرنسية في بيروت، حضرها أكثر من 15 صحافياً لبنانياً وأجنبياً عاملاً في لبنان، لعرض التأخير الحاصل في تنفيذ الحكومة اللبنانية لمقرّرات مؤتمر «باريس 4».خلال الجلسة، أشار الموفد الرئاسي الفرنسي إلى أن الهدف من زياته الحالية هو «الحثّ على تشكيل الحكومة، وتنفيذ مقرّرات مؤتمر سيدر، وعدم هدر المزيد من الوقت، فقد مرّ أكثر من ستة أشهر على المؤتمر ولم تنفّذ الحكومة اللبنانية شيئاً من البرنامج». وبكثير من الفوقية التي لا تخلو من التوبيخ، يقول دوكان إن «آمال المجتمع الدولي خابت من الطبقة السياسية اللبنانية ومن التأخير في البدء بتنفيذ مقرّرات سيدر. نحن الفرنسيون معتادون على آلية العمل في لبنان وقدمنا الكثير له، ولكن لدينا تجارب سابقة في مؤتمرات باريس 1 و2 و3، وهي غير مُشجّعة، لذلك نحن قلقون من التأخير في تنفيذ الإصلاحات. فهذه المرّة لن تكون شبيهة بالمرّات السابقة، الأمور مختلفة اليوم، ولبنان لم يعد خارجاً من حرب لنتساهل معه. عليه تنفيذ الإصلاحات لأن سيدر هو برنامج من ثلاثة ركائز: الإصلاحات والمشاريع والتمويل، ولا يمكن أن ينفّذ البرنامج في ظل غياب أحدها».
تأتي هذه الجلسة بعد زيارة دوكان للرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، أول من أمس، موفداً من الرئاسة الفرنسية لتحريك عملية تشكيل الحكومة اللبنانية. إلا أن دوكان نفى تدخّل بلاده في الشؤون الداخلية للبنان أو الضغط لتنفيذ مقرّرات برنامج «باريس 4»، مشيراً إلى أنها تندرج «في إطار الصداقة بين البلدين، وأن فرنسا معنيّة بمساعدة لبنان على الاستفادة من مؤتمر سيدر، والفرصة المُتاحة له لإنقاذ اقتصاده».
في حال نكث المسؤولون اللبنانيون بوعودهم، فهم لن يحصلوا على الأموال التي وُعِدوا بها


وعلى رغم إصرار الموظّفين بالسفارة على إبقاء الحديث «off the record»، أي بمعنى آخر إنجاز «مهمّة الضغط» من خلال الصحافة لكن من دون النقل عن الجهة المتحدة بحجّة أن ما يقوله «مصلحة لبنانية بحتة». إلا أن الأهداف الفرنسية لم تعد خافية على أحد، وأبرزها تأمين نجاح برنامج «باريس 4» لإمداد اللاجئين السوريين ببعض مقوّمات العيش المفقودة في لبنان، منعاً لتدفّقهم إلى داخل بلدان الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن استفادة فرنسا من مشاريع مُدرجة في البرنامج (وتحديداً المشاريع المتعلّقة بالمياه)، عبر الوكالة الفرنسية للتنمية التي تمنّي نفسها بالاستثمار فيها. كما أن الفوقية والتهكّم اللذين عبّر عنهما دوكان عند نقل صورة النقاشات مع المسؤولين اللبنانيين الذين وجد أنهم غير جدّيين في تنفيذ مقرّرات المؤتمر الذي «وقّعوا على بنوده برضاهم ومن دون ضغط من أحد»، تتناقضان مع مبادئ الديبلوماسية واحترام السيادة اللبنانية اللتين استعملهما دوكان أكثر من مرّة كحجّة للامتناع عن الردّ على بعض استفسارات الصحافيين عن أسباب الضغط المُمارس راهناً، وإن كان سببه قرب تدهور الوضع الاقتصادي الراهن، مشيراً إلى أن لبنان «ليس في قلب الأزمة ولكن أيضاً ليس في منطقة الراحة».
لا ينعى دوكان مقرّرات المؤتمر باعتبار أنه لم «ينفّذ ليتمّ إلغاؤه»، بل يصرّ على أنه «فرصة ولا تزال مُتاحة، وهدف فرنسا الأساسي هو المحافظة عليها. وكلّ ما على المسؤولين فعله هو تشكيل حكومة ووضع المشاريع على السكّة، أو البدء بتنفيذ ما يمكن تنفيذه من مشاريع بالشراكة مع القطاع الخاصّ بعد تعزيز إمكانيات المجلس الأعلى للخصخصة المالية والبشرية للقيام بمهامه».
ويعبّر دوكان عن تململ من المسؤولين اللبنانيين، مشيراً إلى أن «أحداً لم يلزمهم بالتوقيع على مقرّرات المؤتمر إن كانوا يدركون مُسبقاً أنهم عاجزون عن تنفيذ الإصلاحات الواردة فيه»، فوفقاً لدوكان «يبدو واضحاً أن هذا البلد غير قابل للإصلاح. فقبل انعقاد مؤتمر سيدر كانت حجج بعض المسؤولين اللبنانيين مرتكزة إلى عدم حاجة لبنان للإصلاح وأن المشكلة سببها تدفّق أعداد كبيرة من اللاجئين. لاحقاً توجّهوا إلى المؤتمر ووقّعوا على بنوده كاملة والتي تشترط تخفيض العجز وخفض حجم القطاع العام، والشراكة مع القطاع الخاص وإصلاح الكهرباء والقيام بمشاريع مُحدّدة في البنية التحتية. اليوم عدنا إلى الصفر. وأكثر من ذلك ينعتوننا بالجنون في حال كنّا مقتنعين بإمكانية تنفيذ الإصلاحات التي تنطوي على آثار اجتماعية مثل تقليص حجم الدولة. لكن عليهم أن يدركوا أنهم وقّعوا على الشروط برضاهم، وأن الأموال التي وعدهم بها المانحون مشروطة بإجراء هذه الإصلاحات وهذه المشاريع. وفي حال نكثوا بوعودهم فهم لن يحصلوا عليها، وبالتالي إضاعة فرصة الإنقاذ المتاحة».