نحو مليار و75 مليون ليرة لبنانية بلغ مجموع نفقات الساعات الإضافية التي سجّلها عدد من موظفي هيئة أوجيرو، العام الجاري، بحسب إدارتها المالية. الأخيرة أرسلت الأسبوع الماضي كتاباً عُد بمثابة مُذكّرة أعلنت فيها عدم قدرتها على دفع المُستحقات التي لم تلحظها موازنتها لعام 2018 ووجوب التوقف عن إعطاء دوامات إضافية للعمال والموظفين والأجراء. في هذا الوقت، لا يبدو أن نقابة العاملين في الهيئة لديها النية في معارضة القرار أو شجبه إمّا إيماناً منها بـ«المبالغة» الحاصلة في «فوضى» الدوامات الإضافية وإمّا توجّساً من الخصخصة التي قد تؤثر في مصير أكثر من 3800 موظف وأجير وعامل.يوم 3 تشرين الأول الجاري، أرسل المُدير المالي في هيئة أوجيرو محمد محيدلي إلى رئيسها عماد كريدية كتاباً أبلغه فيه «عدم إمكانية المُديرية المالية دفع قيمة الساعات الإضافية للمُستخدمين في الأشهر المقبلة وحتى نهاية عام 2018». أمّا السبب، فيعود، بحسب ما ورد في الكتاب، إلى النفقات غير الملحوظة في موازنة عام 2018 والتي تُقدّر كلفتها بأكثر من مليار ليرة.
زيتوني: راتب العامل الذي يعمل ساعات إضافية يرتفع مرة ونصف المرة(هيثم الموسوي)

وفق الكتاب نفسه، فإنّ هذه النفقات تشمل نحو 751 مليون ليرة سنوياً لم تكن ملحوظة في الموازنة وهي ناجمة عن «زيادة دوامات نحو 100 مياوم ما أدّى إلى زيادة بدلاتهم اليومية». كذلك، فإنّها (النفقات) تتضمّن تكليف أكثر من 500 عامل من المُستخدمين والموظفين المُلحقين والمياومين بمهمات أيام السبت والأحد والعطل الرسمية «مما يُكلّف الهيئة شهرياً نحو 306 ملايين ليرة لبنانية».
وعليه، أوصى محيدلي باتخاذ جملة من الإجراءات اللازمة لإيقاف النفقات الإضافية غير الملحوظة في الموازنة، «منعاً لأي خلل في دفع رواتب المُستخدمين». هذه الإجراءات تتمثّل بـ«التوقّف عن إصدار أوامر المهمة أيام الآحاد والعطل الرسمية باستثناء العاملين ضمن فرق الطوارئ والأفراد المُكلّفين حراسة المراكز الرئيسية على أن يتم منحهم أيام عطل بديلة»، فضلاً عن «إلغاء جميع الموافقات السابقة بإعطاء دوامات استثنائية لعدد من المياومين على أن يتم الالتزام بالدوام الرسمي لهيئة أوجيرو». كما تضمّنت الإجراءات «حظراً على المدراء/ رؤساء الأجهزة تكليف العاملين لديهم بمهام أيام السبت إلا بعد الحصول على موافقة مُسبقة من الرئيس- المدير العام»، إضافة إلى «تمديد الدوام الرسمي للمياومين أيام الجمعة لغاية الساعة الرابعة من بعد الظهر مع احترام أوقات الصلاة».
فهل يعني مضمون الكتاب أن هناك أعمالاً إضافية «وهمية» كانت تُسجّل لتحقيق «منفعة» لعدد من العاملين ساعات إضافية، أم أن أعمال الصيانة الدورية تطلّبت فعلاً من العاملين والمياومين العمل ساعات إضافية بشكل فاق الملحوظ في الموازنة؟ وماذا عن فريق العمل المخصص للطوارئ؟ وهل توقّف الموافقات على الدوامات الاستثنائية سيؤثر في عمليات الصيانة الدورية؟
رئيس نقابة عمال هيئة أوجيرو إيلي زيتوني أوضح لـ«الأخبار» أن فريق الطوارئ لا يستطيع في بعض الحالات تلبية جميع أعمال الصيانة التي تطرأ في نفس الوقت، ما يتطلّب من المياومين والأجراء القيام بأعمال إضافية لتغطية الحاجات الطارئة، لافتاً إلى أن راتب العامل الذي يعمل ساعات إضافية يرتفع تلقائياً مرة ونصف المرة «بحيث تُصبح يومية عمل المياوم أو الأجير أو الموظف الذي يقوم بعمله ثلاث ساعات إضافية خارج دوامه من الساعة الرابعة حتى السابعة مثلاً توازي قيمة عمل يوم ونصف اليوم». كذلك الأمر بالنسبة للعاملين أيام السبت والآحاد، وفق ما يقول زيتوني.
ينطلق الأخير من هذه النقطة ليدحض شُبهة الأعمال «الوهمية» عن الأعمال الإضافية التي يقوم بها عشرات العمال والمياومين، لكّنه «يُقرّ» بوجود ما أسماه «إنفاق أكثر من المطلوب في البند المُتعلّق بالمياومين».
نحو 751 مليون ليرة سنوياً لم تكن ملحوظة في الموازنة ناجمة عن زيادة دوامات نحو 100 مياوم


من هنا، يقول زيتوني إن النقابة تؤيد الإجراءات التي قامت بها الإدارة المالية، «فالمطلوب ليس إفادة بعض الموظفين، بل المطلوب ضمانة استمرارية عمل هذه المؤسسة»، رابطاً بين مسألة العجز المالي للمؤسسة في حال بقيت صيغ الصرف الإضافي باستمرارية الهيئة وبالتالي المس بمصير نحو 1200 مياوم وأكثر من 2400 موظف (سواء كانوا في ملاك الهيئة أو ملحقين بها). اللافت أن زيتوني يُركّز على مسألة «الهدف الأكبر» الذي تصبو إليه النقابة والمتعلق بضمان استمرارية المؤسسة «في ظل الحديث عن قانون الشراكة مع القطاع الخاص».
ما لم يقله زيتوني هو أن العمال عموماً، والمياومين خصوصاً، لديهم هاجس أكبر حالياً يتعلّق بمصيرهم في حال تم التوجّه إلى خصخصة الهيئة وبالتالي إمكانية خسرانهم لوظائفهم.
في هذا الوقت، هناك من يرى أنّ هذا الكتاب أو المُذكّرة يصلح لأن يكون مناسبة لمعالجة الإشكالية المتعلّقة بسقف الساعات الإضافية وبالدوامات التي فرضها قانون سلسلة الرتب والرواتب الجديد. فمن جهة، إنّ العاملين في الهيئة يُطبقون ما نصّ عليه القانون لجهة الدوامات والساعات الإضافية ومن جهة أخرى فإنّهم لم يستفيدوا من الزيادات على الرواتب التي لحظها القانون نفسه بعدما رفضت وزارة المالية الصيغة التي تقدّمت بها إدارة الهيئة والمتعلّقة برواتب العاملين لديها. تقول مصادر مُطّلعة لـ«الأخبار» إن المُذكّرة الصادرة أخيراً عن الإدارة قد تكون تصب في نطاق سعي الإدارة إلى إعادة ضبط موازنتها «من أجل جدولة الحسابات المتعلّقة بالرواتب»، لافتةً إلى أن هذا المسعى يتطلّب تفعيل المراقبة على النفقات والحدّ من مزاريب الهدر الحاصلة في «قطاع» رواتب الموظفين، خصوصاً بعد ما برز إلى الإعلام في الفترة الأخيرة من ملفات تتعلّق برواتب لموظفين عُدّت «خيالية» مقارنة مع الأعمال التي كانوا يؤدونها.
حاولت «الأخبار» التواصل مع كريدية للوقوف على رأيه وللإطلاع منه على تفاصيل الوقائع إلا أنه لم يجب على الاتصالات المتكررة.