يوم 18 تشرين الأول الجاري يُفترض أن تُغادر الباخرة التركية «إسراء» لبنان، بعد أن تكون قد قضت ثلاثة أشهر كاملة متنقلة بين الجية والزوق. الباخرة المجانية، التي حصل عليها لبنان مقابل التمديد للباخرتين الحاليتين لثلاث سنوات، ساهمت في زيادة التغذية بالتيار في عدد من مناطق المتن وكسروان وجبيل، إضافة إلى تغذيتها الشبكة العامة بما بين 30 و40 ميغاواط، وبالتالي فإن رفعها عن الشبكة سيكون تأثيره متفاوتاً بين منطقة وأخرى. لكن في المجمل، فإن عملية التغذية لن تشهد، راهناً، تراجعاً كبيراً، بسبب انخفاض الطلب في الخريف. أما مع زيادة الضغط على الشبكة، فستكون كهرباء لبنان بين خيارين: إما زيادة التقنين أو إيجاد مصادر مؤقتة للطاقة، إلى حين وضع الحلول المستدامة على السكة. خيار الاستجرار من سوريا دائماً مطروح، وفي حال أنجزت بعض التحسينات على الشبكة وتأمنت الاعتمادات اللازمة، فلن يكون صعباً استجرار 500 ميغاواط، على رغم الملاحظات على كون التيار لا يصل دوماً من سوريا بالشروط الفنية المطلوبة. مع ذلك، فإن خيار البواخر، يبقى أفضل الخيارات بالنسبة لوزارة الطاقة، منذ خمس سنوات حتى الآن، ومن الآن وحتى ثلاث سنوات مقبلة على الأقل، بعد التجديد لـ«فاطمة غول» و«أورهان بيه».لكن النقاش الحالي لا يتعلق بالحفاظ على مستوى التغذية نفسه، بل بزيادته. ولذلك، تسعى وزارة الطاقة منذ سنتين إلى إنجاز مناقصة الـــ850 ميغاواط، التي سهّل دفتر شروطها الطريق أمام المزيد من البواخر، من دون إغفال المعامل على البر، قبل أن تلغى المناقصة ويُعاد إقرارها قبيل تصريف الأعمال. بين الاستجرار والمعامل، أضيف مؤخراً خيار ثالث إلى النقاش. هو خيار الاستعانة بتوربينات هوائية (مولدات كبيرة تقدّر قدرة إنتاجها بما بين 30 و40 ميغاواط)، الذي طرحه مدير شركة «سيمنز» جو كيزر على وزير الطاقة سيزار أبي خليل في الاجتماع الذي جمعهما على هامش زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
بحسب محضر اللقاء الذي نشرته «الأخبار»، فإن كيزر عرض على أبي خليل تزويد لبنان بوحدات (توربينات) بقدرة 40 ميغاواط. لم يقنع العرض وزير الطاقة، أولاً لأن التوربينات المقترحة تعمل على الغاز الطبيعي، ولا وجود حالياً للبنية التحتية لهذا النوع من الغاز، وثانياً لأن خيار تشغيلها على المازوت يزيد التكلفة إلى ضعف تكلفة البواخر. لكن في المقابل، فإن أطرافاً عدة عادت لتتعامل مع فكرة المولدات - التوربينات على أنها فكرة تستحق الدرس والحصول على فرصة جدية في النقاش الكهربائي المستمر.

الغاز السائل بدل الطبيعي
وكما مدير «سيمنز»، فإن مستثمرين آخرين يؤكدون أن بالإمكان إنجاز الأمر خلال أسبوعين فقط (طبعاً بعد الانتهاء من الإجراءات القانونية والتمويلية وتحضير البنية التحتية اللازمة لاستخدام هذه المولدات وتشغيلها وتأمين مصدر ثابت للمحروقات، بعد إنجاز المناقصة ودفتر شروطها ثم شراء المولدات واستيرادها)، انطلاقاً من أن هذه المولدات متوافرة في السوق العالمية، من سيمنز أو من غيرها، وبالتالي فلا يحتاج تركيبها إلى أكثر من تهيئة الأرض لتثبيت التوربينات (يحتاج كل منها إلى نحو 500 متر مربع من المساحة، إضافة إلى مساحة خزان الغاز). ويشير هؤلاء إلى أنه على رغم أن الغاز الطبيعي هو الحل الأقل كلفة من بين المحروقات التي يمكن تشغيل التوربينات عليها، إلا أن ذلك لا يعني اللجوء إلى المازوت الأغلى كلفة والأكثر ضرراً بالبيئة. فبالإمكان، على ما يؤكد مصدر معنيّ، تشغيل المولدات بالغاز السائل LPG (بروبان وبوتان)، وهو الغاز نفسه الذي يُستعمل في المطاعم والفنادق، على سبيل المثال، وهو أقل كلفة من الفيول المستعمل حالياً (يحتاج إلى دراسة دقيقة لتحديد الكلفة التي ستضيفها عملية النقل المتواصل) وأكثر فاعلية وأقل ضرراً بالبيئة.
وعليه، فإن التحول إلى خيار التوربينات الصغيرة يعني عملياً الحاجة إلى ما بين 25 و35 توربيناً، توزع على كل المناطق، لتأمين كل حاجة لبنان الحالية من الكهرباء، والبالغة نحو 1000 ميغاواط (هذا الحل مؤقت، ويهدف إلى سد الحاجة، إلى حين الانتهاء من إقامة معامل «دائمة» لإنتاج الكهرباء). وباعتراف مصدر مسؤول في وزارة الطاقة، فإن هذا الخيار يتميز بإمكانية توزيع الطاقة على كل لبنان، من دون مواجهة أي مشكلة تتعلق بضعف شبكة النقل اللبنانية. والأمر نفسه تؤكده مصادر كهرباء لبنان التي تشير إلى أن إيجابية هكذا حل تكمن في إمكانية تصريف إنتاج المولّدات عبر شبكة التوتر المتوسطة الموجودة في معظم المحطات. لكن مع ذلك، فإن هذه المصادر تفضّل عدم الخوض في تقييم خيار كهذا، انطلاقاً من أنه يحتاج إلى دراسات تفصيلية تتعلق بالكلفة والمحروقات والفاعلية، وهي دراسات غير متوافرة حالياً، لأنه لم يسبق أن طرح هذا الخيار بشكل جدي.
باختصار، وبالنظر إلى المعلومات المتوافرة، فإن التوزّع الجغرافي للتوربينات يلغي الحاجة إلى نقل كميات كبيرة من الطاقة من منطقة إلى أخرى، ويسمح بتوزيع الطاقة المنتجة في مساحة جغرافية صغيرة نسبياً، بخلاف الخيارات الكبرى، كالبواخر، التي تحتاج الاستفادة من كامل قدرتها إلى شبكة نقل قادرة على نقل كميات كبيرة من الطاقة. وعليه، فإن هذه المولدات يمكن توزيعها على كل المناطق الساحلية من الناقورة إلى عكار، إضافة إلى المناطق الداخلية. كما يوضح أحد المتخصصين في قطاع الكهرباء إلى أن هذا الحجم من المولدات أو المعامل ليس غريباً على لبنان، إذ إن معملي صور وبعلبك، يولدان 35 ميغاواط من الطاقة لكل منهما، وحتى المولدات التي يُشغلها أسعد نكد في زحلة، لا تتخطى قدرتها 60 ميغاواط، ما يعني أن حل تجزئة توليد الطاقة ليس حلاً صعباً أو مستعصياً، لا بل سبق اختباره في لبنان (علماً أن نظام التوربينات أكثر تطوراً وفاعلية مالياً وبيئياً من المعامل الموجودة). لكن، في المقابل، يؤكد وزير الطاقة أن هذا النوع من المولدات – التوربينات ليس معداً للتشغيل بشكل دائم ومتواصل، إنما مخصص لحالات الطوارئ التي ترتفع فيها الحاجة إلى الكهرباء، مثل استضافة حدث ضخم. وبالتالي، فإن تشغيله لفترات طويلة يعني الحاجة الدائمة إلى الصيانة، ما يرفع من كلفة هذا الخيار.
انتشار وحدات الكهرباء في مختلف المناطق يسمح بتوزيع الطاقة من دون الحاجة إلى شبكة النقل


لا تجوز المقارنة ما بين مولدات الأحياء والتوربينات المقترحة، بحسب بعض المتحمسين لخيار التوربينات، أولاً لأن لا مجال للمقارنة بين نحو 7000 مولد منتشر في لبنان وبين 30 توربيناً يتم الاتفاق على توزيعها بشكل مناسب، إن كان عبر اتحادات البلديات أو في أراض تملكها الدولة اللبنانية. أضف إلى أن هذه الخطوة ستساهم في إنهاء عشوائية كابلات المولدات، انطلاقاً من أن المولدات الجديدة ستعتمد على الشبكة العامة. أما الأهم، من وجهة نظر هؤلاء، فهي تخفيف العجز المتراكم لقطاع الكهرباء، والذي يصل إلى ملياري دولار في السنة، انطلاقاً من أن خيار التوربينات، سيعني كهرباء 24/24، وسيعني بالتالي انتهاء مرحلة مولدات الأحياء، وتوفير عبئها عن المواطنين، ما يسمح بالتالي لكهرباء لبنان بزيادة التعرفة الرسمية، وتوزيع الدعم بصورة أكثر عدالة.

ملاحظات وزارية
تقنياً المعامل الكبيرة أكثر فاعلية، يقول وزير الطاقة سيزار أبي خليل، فالمولدات الصغيرة تستهلك محروقات أكثر بـ15 في المئة، أضف إلى أنه في حال عدم تأمين الغاز، فإن كلفة المحروقات سترتفع نحو 35 في المئة، من دون نسيان تكلفة استهلاك الطرقات عبر الصهاريج الكبيرة التي ستنقل المحروقات إلى التوربينات.
يطرح أبي خليل إشكالية جدية تتعلق بخزانات الغاز التي ستخصص لهذه التوربيات، حجمها أو كيفية تأمينها باستمرار، لكن في المقابل، ثمة من يجزم أن إشكالية نقل المحروقات التي ستنشأ لن تصل إلى الحد الذي وصلته الصهاريج التي تؤمّن الفيول إلى المولدات المنتشرة في الأحياء.
مع ذلك، ولأن هذه الطروحات لا تزال نظرية، يدعو وزير الطاقة كل المهتمين أو من يملك عرضاً متكاملاً أن يقدمه، خصوصاً في ما يتعلق بإمكانية استعمال الغاز المسال بدلاً من الغاز الطبيعي، وإلى حين الانتهاء من مناقصة الغاز الطبيعي.
تعتمد الاقتراحات المطروحة على أن تشتري الدولة هذه المولدات، أو تكتفي بوضع مخطط توجيهي للبلديات واتحادات البلديات يتعلق بالمواصفات المطلوبة للتوربينات. كذلك يمكن أن يكون القطاع الخاص شريكاً في العملية، من خلال شرائه المولدات وبيعه الطاقة إلى الدولة، إلا أن هذا الخيار يحتاج إلى أن يكون العقد مع الدولة ممتداً لسنوات طويلة، حتى يتمكن المستثمر من الحصول على عوائد استثماره، وهي ليس الحالة في لبنان، إذ يفترض أن لا تتجاوز الحاجة لهذه المولدات الثلاث سنوات (إلى حين بدء المعامل الجديدة بالإنتاج). علماً أنه في حال ملكت الدولة أو البلديات هذه المولدات، فيمكن الاستفادة منها حتى بعد إنجاز المشاريع المستدامة، من خلال الإبقاء عليها لحالات الطوارئ.