ليس في جدول أعمال الجلسة العامة لمجلس النواب، التي تنعقد اليوم وغداً، ما يدعو لتسميتها بجلسة «تشريع الضرورة». ولولا الظروف التي تحيط بها، وأبرزها عدم تشكيل الحكومة، لكان يمكن أن يُقال أنها جلسة روتينية ببنود أقل من عادية. لكن مع ذلك، وخلافاً لسلوك تيار المستقبل في مناسبات مشابهة، لم يُسمع له أي اعتراض حتى لو بالشكل، كما لم يجد في الجلسة ما يمس بصلاحيات الرئاسة الثالثة. ذريعة موافقة «المستقبل» هذه المرة هي الحاجة إلى تمرير قوانين مطلوبة من مؤتمر «سيدر»، بعضها «إصلاحي» وبعضها مالي. التدقيق في جدول الأعمال يظهر أن الغالبية الساحقة من المشاريع المتعلقة بالموافقة على قروض خارجية، هي سابقة لمؤتمر «سيدر»، وبالتالي هي ليست جزءاً من «القوانين المطلوبة»، ومع ذلك لم يمانع تيار المستقبل في أن تكون جزءاً من تشريع الضرورة. فقد درجت العادة أن يُطاع «الخارج» عندما يطلب، فتسقط كل الاعتراضات الطائفية، ويصبح التشريع في غياب حكومة مكتملة الصلاحية مقبولاً، وكذلك الأمر في ظل الفراغ الرئاسي. وخير مثال هي القوانين المالية الخمسة التي أقرت في عام 2015 تحت ضغط الخارج، والتي أدت حينها إلى كسر الفيتوات الطائفية على التشريع في غياب الرئيس. وهو الأمر الذي استغله الرئيس بري خير استغلال فألغى مبدأ «الضرورة» بإدخاله مواد عادية إلى جدول الأعمال حينها، تماماً كما يفعل اليوم، مكرساً بالتالي حق المجلس، بصفته سلطة مستقلة، بالتشريع، من دون ربط هذا الحق بوجود السلطات الأخرى أو غيابها.
مع ذلك، فإن التسليم بخوف البعض على أموال «سيدر» من الضياع، يوجب عليه أولاً وأخيراً بأن يشكّل الحكومة، لأنه ببساطة، بحسب مقررات المؤتمر، أول الشروط وأبرزها هو إقرار الموازنة. وبما أنه لا موازنة بلا حكومة، فلا أموال بلا موازنة.
29 بنداً يضم جدول أعمال الجلسة التشريعية ليس فيها أي قانون ضروري، يشبه على سبيل المثال قانون تمديد مهل قانون الانتخابات في العام 2013، الذي وضع في خانة تشريع الضرورة، أو يشبه قانون التمديد للمجلس النيابي بحجة عدم الوقوع بالفراغ (2013 أيضاً).
مع ذلك، ربما يكون هنالك قانون وحيد يصنّف في خانة الضرورة، وإن بمعايير مختلفة. هي ضرورة مفصلة على قياس المحرقة التي تعد لها بلدية بيروت، والتي لا يمكن السير بها من دون إقرار مشروع القانون المتعلق بالإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة. ذلك مشروع مرّ عليه الزمن، لكنه نُبش من الجوارير، وتم تعديله ليتناسب مع خطة المحارق «الضرورية». المشروع سبق أن أقر في اللجان المشتركة ويبدو أنه لن يتأخر ليقر في الهيئة العامة أيضاً. اللجان أقرت أيضاً مشروع القانون المتعلق بالمعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، الذي يتنظر إصداره منذ 12 عاماً. وهو يضم مسألة أسماء النطاقات التي شهدت نقاشاً حاداً في اللجان يتوقع أن يستكمل في الهيئة العامة أيضاً. مع ذلك، فهو يبقى في خانة المشاريع المهمة لكن ليست المستعجلة، أسوة باقتراح القانون الرامي إلى مكافحة الفساد في عقود النفط والغاز، أو اقتراح القانون الرامي إلى حماية كاشفي الفساد، الذي لا يمكن تطبيقه قبل إقرار قانون تشكيل هيئة مكافحة الفساد. أحد الاقتراحات المفترض أنه ضروري لا يجد له مكاناً في جدول الأعمال، على سبيل المثال. قرار تأجيل تنفيذ الضريبة المقطوعة المسماة «ص 10»، الذي أعلنه وزير المالية لا قيمة له إذا لم يقرن بقانون، إذ لا يُلغى قانون إلا بقانون.
في المشاريع المتعلقة بالموافقة على قروض، واحد يتعلق بتعزيز الحوكمة في وزارة المالية (تطوير عملية إعداد الموازنات)، والآخر بتعزيز النظام الصحي في لبنان والثالث يتعلق بتنفيذ وتزفيت طرقات. أهم هذه القروض ربما هو ذلك المتعلق بتمويل مشروع مياه الصرف الصحي في حوض الغدير أو تنفيذ مشروع صرف صحي في الشوف.
المجلس لإعادة إقرار خمسة قوانين معدلة بعد رفضها من قبل رئيس الجمهورية


في جدول الأعمال فئة أخرى من المواد، هي تلك التي سبق للمجلس أن أقرها، إلا أن رئيس الجمهورية لم يوقعها وردها إلى المجلس طالباً تعديلها. أحد هذه القوانين هو منح الحكومة حق التشريع في الحقل الجمركي، الذي رُفض لأنه يعطي هذا الحق لوزير المالية وليس للحكومة مجتمعة. وعليه، فهو يعود إلى المجلس معدلاً بما يتناسب مع ملاحظات رئاسة الجمهورية. والأمر نفسه يتعلق بقوانين: أصول التعيين في وظيفة أستاذ تعليم ثانوي في المدارس الرسمية، تنظيم مزاولة المهن البصرية وتنظيم مهنة النطق.
ستشهد الجلسة أيضاً مناقشة خمسة اقتراحات قوانين، كان يفترض أن تمر بمشاريع قوانين (أي عبر مجلس الوزراء)، إلا أن خشية النواب من أن يطول الوقت قبل أن تعقد جلسة تشريعية جعلهم يحولونها إلى اقتراحات قوانين (لا أولوية للمجلس بعد 15 تشرين الأول على أولوية إقرار الموازنة). علماً أن هذه الخشية، عززت تواصل اللحظات الأخيرة بين الكتل النيابية للتوافق على تمرير عدد من الاقتراحات الإضافية، فكان أن ازدهر «تشريع الواتساب»، تحت ضغط السرعة. وهذه الاقتراحات يرجح أن يزيد عددها إذا ما تم التوافق على إضافة عدد من الاقتراحات المتعلقة بالموافقة على قروض أو اعتمادات إضافية (يمكن لرئيس المجلس أن يعرضها على الهيئة العامة من خارج جدول الأعمال). وهي مواد يشكل معظمها حالة نافرة في سياق التشريع، لكن الضرورة والخشية من تأخر إقرارها أو ضياعها جعلها من ضمن «تشريع الضرورة»، الذي يتجلى بأبهى حلله في البند رقم 20 الذي ينص على استبدال اسم قرية «بتشليدا» في قضاء جبيل باسم قريبة «بتشليدا وفدار»!