أشهر عدة ستتأخر مرحلة الاستكشاف النفطي في لبنان. وكذلك يبدو أن التأخير سيطاول إطلاق دورة التراخيص الثانية، ربطاً بالتأخير في تشكيل الحكومة. لكن في المقابل، فإن التحضير للاستكشاف قد بدأ بتحديد الحاجات الوظيفية كما بدفاتر الشروط المطلوبة. أما الدورة الثانية، فلا يزال النقاش مستمراً في شأنها: فتح المنافسة أمام الجميع أم اجتذاب الشركات الكبرى حصراً؟بعد عام كامل، أي في أيلول 2019، سيبدأ تحالف «توتال» و«إيني» و«نوفاتيك» بحفر أول بئر استكشاف في البحر اللبناني (في البلوك رقم 4). تأخر الوقت أشهراً، بعد أن كان مقرراً البدء بالاستكشاف في الفصل الأول من العام المقبل، لكن ذلك لم يكن مفاجئاً للعاملين في المجال النفطي، وإن سُجّل أكثر من تحفظ سياسي، ربطاً بإعادة تحريك شركة «انيرجيان» اليونانية، العاملة في حقل «كاريش» الإسرائيلي، لعجلة عملها وتحديدها موعداً لبدء التنقيب. فتأخير الاستكشاف في لبنان سيعني حكماً تأجيل الاستكشاف في البلوك رقم 9 إلى نهاية العام 2019 أو بداية العام 2020، انطلاقاً من أن الشركة أشارت في خطة عملها إلى أن الاستكشاف سيبدأ في البلوك رقم 4 على أن يليه مباشرة الاستكشاف في البلوك رقم 9 (Back to Back). وإلى ذلك الحين، فقد بدأت شركة «توتال»، الشركة المشغلة في التحالف الذي يضمها إلى شركتي «إيني» و«نوفاتيك»، بتحضير دفاتر الشروط الخاصة بالخدمات التي يتطلبها عملها، وأهمها آلات الحفر. كذلك، علمت «الأخبار» أن الشركة وضعت هيكليتها الوظيفية التي تحتاجها للتنقيب في لبنان، وهي ستكون مخالفة لكل التوقعات التي دأبت على التفاؤل بتأمين عدد كبير من الوظائف. إذ يبدو أن الشركة ستعمد إلى ترشيق هيكليتها في لبنان، بحيث لا تحتاج في المرحلة الأولى التي تتضمن التحضير للاستكشاف، أكثر من 20 موظفاً، يتوقع أن يكون 80 في المئة منهم لبنانيون، كما ينص دفتر الشروط.
وبالتوازي، تعكف وزارة الطاقة على التحضير لدورة التراخيص الثانية، المتوقع إطلاقها في بداية العام المقبل. لكن حسابات الحقل قد لا توافق حسابات البيدر، فإذا لم تشكل الحكومة قبل ذلك التاريخ، وهو أمر لن يكون مستغرباً، فإنه لن يكون بالإمكان إصدار مرسوم تأهيل الشركات وتحديد البلوكات التي ستفتح في دورة الترخيص. مع ذلك، فإن الجهد الذي تقوم به الوزارة لا يزال تحت سقف قرار مجلس الوزراء الذي اكتفى، في جلسة 16 أيار الماضي (ما قبل الأخيرة)، بـــ«الاطلاع من وزير الطاقة على التحضيرات لإطلاق دورة التراخيص الثانية لمنح رخص بترولية في المياه اللبنانية». وهو ما يعني عملياً الموافقة على إجراءات التحضير للدورة الثانية التي كان وزير الطاقة قد طلب من هيئة إدارة البترول المباشرة بها. وبحسب المعلومات، فإن هذه التحضيرات لا تزال مستمرة، في سعي الوزارة لإنجازها بسرعة. وفي سياق هذه التحضيرات، فإن النقاش لا يزال مستمراً في شأن إعادة تحديد الشروط المطلوبة، ربطاً بالخبرة التي اكتسبت من دورة الترخيص الأولى، لا سيما ما يتعلق بالمؤهلات المالية والتقنية والقانونية والبيئية المطلوبة.
وعليه، فإن النقاش لم يحسم بعد في شأن هذه المؤهلات، فهناك في الوزارة من يؤيد بقاء المعايير التي وضعت في الدورة الأولى على حالها، لا سيما ما يتعلق بالمواصفات المالية والتقنية، تأكيداً على أولوية استقطاب الشركات الأبرز في العالم. ففي تلك الدورة اعتُمد مبلغ العشرة مليارات دولار كحد أدنى لرأس مال الشركات التي يسمح لها بالمشاركة. أصحاب هذا الرأي يؤكدون أن لبنان الذي تأخر نحو ست سنوات لإطلاق الدورة الأولى لم يعد يمكنه المخاطرة بتقدم شركات صغيرة لا تملك الملاءة المالية المطلوبة أو القدرات التقنية للعمل في الأعماق الكبيرة، كما هي الحال في البحر اللبناني. في المقابل، فإن آخرين يؤكدون أهمية زيادة المنافسة في الدورة المقبلة، وعدم حصرها بعدد محدود من الشركات، عبر تخفيض الشروط التقنية وتخفيض الشرط المالي. بعض الاقتراحات لتحقيق هذا الهدف وصلت إلى حد الاكتفاء بأن يكون رأس مال الشركات المتقدمة مليار دولار فقط (ثمة طروحات أخرى تدعو إلى أن يكون 5 مليارات دولار). وهؤلاء يأملون بأن يساهم تخفيض مستوى الشركات بالسماح بدخول شركات لبنانية إلى التحالفات التي يفترض أن تتقدم إلى دورة التراخيص، خصوصاً أن الشركات الكبرى لم تبد في الدورة الأولى أي حماسة لإدخال شركات لبنانية لا خبرة لديها في القطاع، في تحالفاتها، علماً أن هذه الشركات عقدت شراكات مع شركات أجنبية صغيرة تعمل في قطاع النفط والغاز، آملة أن تكون مؤهلة للدخول في أحد الائتلافات المتنافسة.
من يخشى فتح الباب أمام الشركات الصغيرة، يدعو إلى استخلاص العبر مما يجري عند العدو الإسرائيلي، فشركة «نوبل انيرجي» الأميركية، التي تعتبر شركة صغيرة تأخر عملها لسنوات، بسبب عدم قدرتها على استثمار بعض الحقول المكتشفة، كما اضطرت للدخول في شراكات عدة لتأمين التمويل المطلوب. أما شركة «انيرجيان» التي تملك حقوق استثمار حقل كاريش المحاذي للحدود اللبنانية، فقد تأخرت لسنتين في بدء التنقيب، بسبب حاجتها إلى تمويل يقدّر بنحو مليار ونصف المليار، تمكنت في النهاية من تأمينه من خلال قروض مصرفية مرتبطة بعقود وقعتها مع شركات إسرائيلية لتزويدها بالغاز بعد إنتاجه.
وفي هذا السياق، فقد بدا تحذير الرئيس نبيه بري بمثابة الإنذار الجديد بوجوب تحريك عجلة الحكومة، لأن التأخير يسمح للإسرائيليين ببدء استثمار الحقل، بما يعنيه ذلك من احتمال استثمار مكامن غازية مشتركة. وهذا تحديداً ما يقلق بري، الذي سبق أن دعا إلى التحرك بسرعة لمنع الاعتداء على الحق اللبناني. فأين هي الحكومة التي يفترض بها أن تتحرك «للدفاع عن ثروتنا النفطية وسيادتنا الوطنية وحدودنا البرية والبحرية»؟