«صيغة أفضل الممكن» حكومياً لم تتوافر حتى الآن، وهي تحتاج إلى وقت، أقله من جانب رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي استمع على مدى ساعة وربع الساعة، يوم الاثنين الفائت، لملاحظات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في شكل واضح وبما لا يقبل أي التباس أو اجتهاد. لم يطلب رئيس الجمهورية وقتاً إضافياً، بل على العكس، سمع من الحريري أنه يحتاج إلى وقت إضافي في ضوء الملاحظات الرئاسية، يفترض أن يستغله لإجراء مروحة جديدة من المشاورات السياسية، وعندما تتجمع لديه حصيلة جديدة، سيعود إلى القصر الجمهوري، حاملاً صيغة معدلة في أقرب وقت ممكن من أجل مناقشتها بالتفصيل مع رئيس الجمهورية، خصوصاً أن زمن «القوالب الحكومية الجاهزة» قد انتهى، وسقط معها كل ما من شأنه أن لا يقيم وزناً للمسار الدستوري والبرلماني والديموقراطي المفترض أن يكون هو الناظم للحياة السياسية في لبنان.ثلاثة أيام على زيارة رئيس الحكومة المكلف إلى بعبدا، كان يفترض أن تحفل بالمشاورات لا بحفلة من ردود الفعل تتباكى على صلاحيات الرئاسة الثالثة. رئيس الجمهورية يرصد ردود الفعل على مختلف المستويات «لأنه في ضوء الفاصل الزمني عن اللقاء المرتقب مع الرئيس المكلف أيضاً ستتكون لديه صورة عن المواقف والنيات المرتبطة بإرادة الفرقاء المعنيين بحيث تتكامل مروحة اتصالات الحريري مع متابعة الرئاسة الأولى مما يسهل عرض النتائج التي على ضوئها يبنى على الشيء مقتضاه، لجهة تحقيق هدف التعديل والتحسين واحترام المعايير في الصيغة المبدئية المقترحة من الحريري».
رئيس الجمهورية رفض قبول استقالة الحريري من الخارج قبل جلاء ظروفها وعودته إلى لبنان (هيثم الموسوي)

في هذا السياق، ترى بعبدا أن رؤساء الحكومات السابقين «قرأوا الدستور في شكل مجتزأ، بعدما أهملوا المواد الصريحة التي تحدد صلاحيات رئيس الجمهورية، فالدستور واضح في مسألة شراكة رئيس الدولة ورمز وحدة البلاد في تشكيل الحكومة، وتكفي الإشارة إلى المادة 53 منه التي تنص على أن رئيس الجمهورية يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مراسيم تشكيل الحكومة وقبول استقالة الوزراء وإقالتهم... وبالتالي، ليس الأمر محصوراً بالتوقيع على المرسوم فقط، إذ إن عبارة «بالاتفاق» تعني التفاهم بين الرئيسين، أي لرئيس الجمهورية الحق الدستوري بقول لا أو نعم، وتوقيع رئيس الجمهورية ليس شكلياً».
وكل من التقى رئيس الجمهورية، لا يساوره شك بمدى حرصه على صلاحيات رئيس الحكومة وهذا الأمر يدركه الحريري ولعل التجربة الممتدة بينهما على مدى سنتين تثبت ذلك، و«يوم ضغط البعض لقبول استقالة الحريري من خارج (تشرين الثاني 2017) واعتبارها قانونية ودستورية والدعوة لاستشارات نيابية ملزمة للتكليف، يومذاك، رفض رئيس الجمهورية ذلك رفضاً قاطعاً قبل جلاء ظروف الاستقالة وعودة رئيس مجلس الوزراء إلى لبنان، ولسان حال بعبدا اليوم هو حاله بالأمس، ومثلما لا يقبل الرئيس عون إطلاقاً المس بصلاحيات رئيس الحكومة، على الآخرين رفض المس بصلاحيات رئيس الجمهورية».
توقيع عون ليس شكلياً وهو ينتظر حصيلة مشاورات الحريري


والمستهجن في بعبدا «نقل النقاش من تشكيل الحكومة وفق معايير حددها رئيس الجمهورية بالاتفاق مع الحريري، وبالتالي وجوب الإسراع في ولادة الحكومة، إلى موضوع الصلاحيات، علماً أن هذا النقاش ليس مطروحاً في قاموس رئيس الجمهورية الذي من حقه إبداء ملاحظاته على أي صيغة حكومية، خصوصاً أن الحكومة التي يُشتغل على تشكيلها تأتي بعد انتخابات نيابية كسرت احتكار التمثيل النيابي وأمّنت إلى حد بعيد عدالة التمثيل الذي لا يمكن تجاوزه في الحكومة الجديدة، لذلك لا بد من استمرار التشاور للوصول إلى صيغة حكومية نهائية».
وثمة خشية في بعبدا «أن يكون تعمّد إثارة موضوع الصلاحيات هدفه المباشر والوحيد صرف النظر عن الأولوية الوحيدة المتمثلة بتشكيل الحكومة فوراً وبلا إبطاء، وأقل ما يوصف به موضوع الدفع بالصلاحيات إلى الواجهة بأنه خطوة غير موفقة، لأن أحداً ليس بوارد المس بصلاحيات رئيس الحكومة لا في عملية التشكيل ولا في أي موضوع آخر، وما يحكم نوايا الرئاسة الأولى هو الإيجابية المطلقة والحرص الشديد على نجاح الرئيس الحريري في تخطي الصعوبات في الوصول إلى حكومة تحترم الإرادة الشعبية التي عبّرت عن نفسها في صناديق الاقتراع». المعايير التي حددها رئيس الجمهورية لا تزال هي نفسها: عدالة التمثيل، عدم تهميش أيّ مكون، احترام الأحجام الحقيقية، عدم الاحتكار، والأهم التوصل إلى تأليف حكومة وفاق وطني تعكس نتائج الانتخابات النيابية الأولى من نوعها وفق القانون النسبي.