تتحدّث السعوديّة، وهذا أصبح عاديّاً، عن شيء اسمه «تأشيرة مجاملة» لتأدية مناسك الحج. لو خرج أحد الناس وسأل تلك العائلة، الحاكمة هناك، هل الكعبة ملك أبيكم؟ لأجابوا: نعم، هي كذلك. وفعلاً، لو لم تكن كذلك، برأيهم، لتحاشوا أقلّه مفردة «تأشيرة مجاملة». المُجامِل يُجامِل بما يملك. ما عاد شيء يُخجلهم. ما عاد أحد يُناقش صفة أولئك القوم التي، على مدى نحو قرن مِن الزمن، جعلتهم يستولون على الحرم المكّي ويُديرون موسم الحجّ السنوي. جدل يدور حاليّاً، في لبنان، عن منع السلطات السعوديّة لتأشيرات الحجّ عن فريق سياسي ومنحها لآخر. سياسيّون في لبنان، ككلّ عام، يتسوّلون مزيداً مِن التأشيرات السعوديّة لتوزيعها على أتباعهم. الناس يُحبّون الحجّ، وهذه حكاية معقّدة، وعلى مدى التاريخ كان هناك مَن يُتاجر بذلك. يقف القائم بأعمال السعوديّة في لبنان، وليد البخاري، في مطار بيروت مزهواً بما وزّعه مِن «مكرمات» على الحجّاج المسافرين. هكذا، يقولونها علناً، مكرمة، وغالباً ما تُقرن هذه المفردة الأخيرة بذكر «خادم الحرمين الشريفين». هل رآه أحد مرّة يُقدّم التمر، مثلاً، للحرمين؟ أيسقيهما الماء؟ خادم في ماذا تحديداً؟ هذان الحرمان قدّما، العام الماضي، نحو 7 مليارات دولار لذاك «الخادم». هذا المُعلن. مَن يخدم مَن هنا؟سعد الحريري يُصدر بياناً، أمس، ينفي فيه ما يُشاع عن منع تأشيرات وما شاكل. يُعلن أنّ السعوديّة «تكرّمت بتخصيص ثلاثة آلاف تأشيرة لمكتب الرئيس الحريري، مضافة إلى ألفي تأشيرة مُجاملة جرى الإعلان عنها مِن السفارة». هذه التأشيرات هي غير مخصّصة للناس «العاديين». قبل أيّام أعلنت السعوديّة رسميّاً، وفي «مكرمة» أخرى، أنّ «خادم الحرمين» أمر باستضافة ألف حاج «مِن ذوي شهداء فلسطين». هذه هي. مُتّ تحت الحصار أيّها الفلسطيني، تحت القصف، ولا تحمل همّاً فإنّنا سنجعل والدك يذهب إلى الحجّ. ألف حاجّ يعني ألف أسرة. أين معنى «التخدير الديني» إن لم يكن في مثل هذا؟ وإلى مصر، حيث أعلنت الخارجيّة السعوديّة، أمس، أنّ «خادم الحرمين» (إيّاه) أمر باستضافة ألف حاج «مِن أُسَر شهداء رجال الجيش والشرطة المصريين لأداء فريضة الحجّ». حسناً، ماذا عن فرق الدفاع المدني، مثلاً؟ مساكين، هؤلاء لن يحجّوا، هي للجيش والشرطة حصراً، على رغم أنّ الدفاع المدني أكثر نفعاً، في الحجّ، إذ قد يشبّ حريق أو تنهار رافعة حديديّة فتودي بحياة الآلاف. ثم ماذا عن اليمن؟ هل يَمنُ «الخادم» على ذوي العشرات من أطفال مجزرة صعدة، ممن اغتالتهم طائراته، بمكرمة من هذا النوع؟
لم يكن الحجّ، على مدى التاريخ، إلا موسماً لإسباغ الشرعيّة على سلطان الحاكم في الحجاز. شرعيّة سياسيّة مِن جهة ودرّ للأموال مِن جهة ثانية. قديماً فهم القرامطة هذه اللعبة جيّداً. لعبة الاستثمار في الرموز الدينيّة. استولوا على الحجر الأسود ونقلوه إلى حيث كانوا يُسيطرون، في شرق الجزيرة العربيّة، بعيداً عن سيطرة الإمبراطوريّة العبّاسيّة. بنوا حوله كعبتهم الخاصّة ودعوا الناس للحجّ عندهم. ظلّ الحجر عندهم أكثر مِن 20 عاماً. لم تُضرَب هيبة العباسيين كما ضُرِبت آنذاك. كان مظفّر النوّاب يعني ويعني تماماً تلك الفكرة، إذ يقول «...وللقرمطيّة كلّ انتمائي».