في العام 1977 كنت أعتقد ان كوبا هي جريدة «السفير» بالتحديد، لا المنطقة الغربية ككل. كنت اشعر أنها كوبا وأنغولا وفييتنام معاً، ذلك وسط أفواج الدكاكين الطائفية المسلحة وصحفها المباشرة وغير المباشرة، كالفرق بين قذيفة الهاون وقذيفة الـ 106 مباشر.هناك في كافيتيريا «السفير»، حيث الجدل على اشده بين «تروتسكي» وقومي عربي غير مسلم، صدّقت أكثر من مرة أننا في «الحركة الوطنية» نسيطر على 75% من الاراضي اللبنانية. وبدون دعم سوريا طبعاً، وهذا اكيد لأنها كانت في الجهة المعادية. هناك يومها صدقت أن لوحدة البندقية الفلسطينية واللبنانية منطقاً و تاريخياً. هناك صدّقت ان باسم السبع يساري، وفي الحد الادنى تقدمي. تصوروا! كنت مقتنعاً هناك، أن أصل جوزف سماحة «جورجيا» لا بينو في العكار، وهو من سلالة جوزف ستالين بالذات لا «شيفارندزه». تصوروا!! طبعاً: فكلمة النيوليبيرالية لم تكن موجودة في حينه، فهي «نيو» اي جديدة. كيف لا أصدق وناجي العلي دائم الابتسامة المريرة صامت بيننا لا نعرف ما اذا كان يهزأ منا ضمناً بين نظرية واخرى تنفجر في الغرفة.
«السفير» التي صدرت وحدها على أربع او ست صفحات من الصور الشبه سوداء يوم خصَّت اسرائيل بيروت بـ 11 ساعة قصف طيران خلال الاجتياح. كيف لا أصدق، وبعدها تعرض طلال سلمان بالذات لمحاولة اغتيال؟
اليوم... وبالاذن من الزملاء (وهي أشمل وأفضل من رفاق أو إخوان ساطع، عباس، فارس، معن، عدنان وهنادي)... انا اليوم أمام مشكلة كبيرة، وهي ربما الاخيرة على صعيد الوطن التي ما زلت اشعر بها يومياً كوني مشتركاً في الجريدة التي يمرّ الموزع فجراً لرميها من الطريق الى شرفتي (وأكون عادة مستيقظاً)، وهو يصيب المكان نفسه يومياً، ليت الجريدة التي يرميها مثلَهُ مثلاً. أخرج الى الشرفة أفتح الجريدة، وأدخل وأشعر بالمشكلة... أشعر بالفرق.
الفرق الذي أصبح يناهز الفرق بين السماء والارض... لولا وجود محمد مشموشي الثابت الهادئ العنيد كالاتحاد السوفياتي السابق ومن بعده كوبا، الذي وحده يواسيني بعض الشيء... لا لم تعد «السفير» كوبا، وكوبا ما زالت صامدة لتاريخ صدور هذا العدد، ولاحظوا جغرافياً اين..
مشكلة عندما يكون المرء غير قادر على قراءة «النهار»، وأصبح غير قادر على قراءة «السفير»؟ ماذا يفعل هذا النوع من اللبنانيين؟
لِمَ لا يجرّبون القطن الى جانب الحرير؟ ان القطن يا جماعة يصلح للشتاء كما يصلح للصيف، وهو اكثر مقاومة وثباتاً وأشد تحملاً وأطول عمراً، وهو في النهاية ارخص من الحرير.
نريد طلال سلمان.

ملاحظة: مقالة نُشرت من قبل