الحديث في الملّف الحكومي، والمشاورات من أجل إيجاد حلّ ما، توحي بأنّ العُقد مُختصرة باثنتين: حصّة القوات اللبنانية وحصّة الحزب التقدمي الاشتراكي. يتعامل المعنيون بالملّف الحكومي، مع هاتين المُشكلتين بصفتهما «العقدتين الوحيدتين» اللتين تؤخران ولادة الحكومة.عملياً، تبدو العثرات في درب الرئيس المُكلّف سعد الحريري عديدة، ولو أنها تتفاوت في أهميتها. إحداها عقدة قديمة/ جديدة، هي نوعية الحقيبة الوزارية التي سيحصل عليها تيار المردة. إذا جرى التسليم بأنّ فريق 8 آذار السياسي، لن يُعطّل الحكومة الجديدة في حال لم يقبل الحريري بتمثيل «النواب السنّة المُعارضين» له، أو لم يحصل الحزب القومي على مقعد وزاري هذه المرّة، إلا أنّ «التساهُل» لا ينطبق على احتمال استبعاد التيار الزغرتاوي. هذا التخطّي للنائب السابق سليمان فرنجية، بعدم تلبية مطلبه في الحكومة، تمهيداً لـ«كسره» سياسياً من قبل خصومه، لن يمر مرور الكرام عند المكونات الأساسية لفريق 8 آذار، فـ«الحفاظ» على فرنجية، «أمر استراتيجي» بالنسبة إلى «8 آذار»، تماماً كما يتمّ التعاطي من قِبل هذا الفريق مع الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحرّ.
يُصرّ تيار المردة على «حقّ» التمثّل بواحدةٍ من الحقائب الستّ الأساسية: الطاقة، الاتصالات، العدل، الأشغال، التربية، مع تفضيله أن تبقى «الأشغال»، من نصيبه. في حين أنّ خصومه السياسيين، وتحديداً التيار الوطني الحرّ، يرون أنّ تياراً سياسياً كـ«المردة»، مُمثلاً نيابياً بثلاثة نواب فقط، يجب أن ينحصر وجوده داخل الحكومة بحقيبة «عادية» (علماً أنّ الوزارات المُصنفة لبنانياً عادية، مُهمة جداً، كالبيئة والزراعة والثقافة…). ويقول أصحاب هذا الرأي، إنّ الحقائب الخدماتية الأساسية الستّ، مُقسّمة بالتساوي بين المُسلمين والمسيحيين، «وبدورها الحقائب المُخصصة للمسيحيين، مُفترض أن ينالها الحزبان الأكثر تمثيلاً في هذه الساحة الطائفية. أي حقيبتان للتيار العوني، وحقيبة للقوات (العدل)». وفي حال، كان هناك إصرار على إعطاء «الأشغال» إلى تيار المردة، «فلتكن من حصّة الآخرين، كما حصل في الحكومة الحالية، حين تنازل رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن الأشغال لمصلحة المردة».
ولعل المُضحك، أنّ «التيار» و«القوات» يخوضان معارك شرسة بوجه بعضهما البعض من أجل الحصص، ولكن حين يُحاول طرف ثالث مُقاسمتهما قالب الجبنة، يعود الحديث إلى أنّ «الحقائب الأساسية» يتقاسمها «الأكبر» داخل الطائفة.
«طالما أنّ التقسيمات السياسية في البلد طائفيّة، فإنّ حقيبة المردة هذه المرّة ستكون من حصّة المسيحيين»، تقول مصادر سياسية معنية، مُشدّدة على أنّ «المردة أبلغ المعنيين بأنّه يُريد وزارة الأشغال أو ما يُعادلها». أمّا في حال لم يُلبّ الطلب، فتيار المردة لا يتحول إلى مُعارضة للعهد ويبقى خارج الحكومة، «بل يُعطّل تشكيلها». تقول المصادر ذلك بلهجة واثقة، وتضيف: «نعم، لتيار المردة حلفاء لن يتركوه وحيداً. وهو ليس حليفاً عبئاً على أحد، والدليل على ذلك نتائج الانتخابات النيابية التي كانت جيّدة بالنسبة إلى المردة، الذي تمكن من تشكيل تكتل من سبعة نواب بينهم أربعة مردة». كيف؟ هذه الحسبة تشمل نائب كسروان - الفتوح فريد هيكل الخازن.
إذا بقيت الأشغال من حصة «المردة»، من المحتمل أن يعود فنيانوس إليها


اللقاء الوطني (النيابي) لا يُطالب فقط بحقيبة للطائفة المسيحية، «فخلال اللقاء مع رئيس الحكومة، طالب المردة أيضاً بحقيبة للطائفة السنية، على اعتبار أنّ التكتل يضم نائبين سنيين (جهاد الصمد وفيصل كرامي) لديهما حضورهما وقاعدتهما الشعبية الكبيرة». ولكن، عدم تلبية الشرط الثاني لن يؤدي إلى تعطيل الحكومة، كشرط الحصول على حقيبة أساسية لـ «المردة». السبب أنّ التيار الذي يرأسه سليمان فرنجية، «لا يقدر وحده أن يُعرقل تشكيل الحكومة، بل هو يتكل على الحلفاء».
منذ الانتخابات الرئاسية، حدّد تيار المردة لنفسه موقعاً مُعارضاً للعهد الرئاسي وكلّ ما يُمثله. إلا أنّه على رغم ذلك، يُصرّ على التمسّك بالحصول على حقيبة وزارية. هو «الخوف» من الجلوس خارج «جنّة» الحكومة، مع كلّ ما يترافق مع المشاركة من خدمات ونفوذ ومُشاركة سياسية في القرار. علماً أنّه بإمكان «المردة»، المُشاركة في قيادة جبهة مُعارضة، خارج مجلس الوزراء، لا سيّما مع «التضييق» المُمارس عليها حول نوعيّة التمثيل. «لا يوجد مُعارضة في لبنان»، تردّ المصادر نفسها. تقول إنّ كلّ القوى المُمثلة داخل مجلس النواب موجودة داخل مجلس الوزراء، «والأفضل أن يبقى تيار المردة داخل مجلس الوزراء، ولو كانت المُعارضة ربيّحة، لربّما كان جرّبها».
لم يحسم تيار المردة بعد هوية وزيره الجديد، «اسم فريد هيكل الخازن، طُرح بشكل جدّي». ولكن، في حال بقيت وزارة الأشغال من حصة «المردة»، الاحتمال الأكبر أن يعود يوسف فنيانوس إليها.