كلتا العقدتان الدرزية التي يمثلها النائب السابق وليد جنبلاط، والمارونية التي يمثلها قطبا التناحر على الزعامة المسيحية الوزير جبران باسيل والدكتور سمير جعجع، مبرّرتان. في الظاهر على الأقل. الأفرقاء الثلاثة خرجوا من انتخابات 2018 أقوى الرابحين، إذا كان لا بد من استثناء الانتصار الكاسح للثنائي الشيعي. جنبلاط، بعد الثنائي الشيعي، الأكثر تمثيلاً في طائفته، وباسيل رئيس الكتلة النيابية الكبرى، وجعجع حصل على أكثر من ضعف مقاعد كتلته في انتخابات 2009. هم القوى الفعلية، ليس المعنيين بتأليف الحكومة فحسب، بل بفرض شروطهم انسجاماً مع ما منحتهم إياه انتخابات أيار. بسبب إصرارهم على شروطهم في المقاعد والحقائب يتعثر التأليف، ويصبح كل ما يقول به الرئيس المكلف سعد الحريري عن صلاحياته الدستورية هو في تأليف الحكومة من دون سواه، وتشبثه بها، غير مغزى وجدوى. ليس وحده دستورياً المعني بالتأليف ما دام التوقيع الأخير في المرسوم لرئيس الجمهورية ميشال عون كي يصدر، وليس قادراً سياسياً على تجاوز شروط أي من الأفرقاء الثلاثة أولئك وكذلك سواهم، سواء برفضها وكل منهم يملك فيتو أشبه بعصا غليظة، أو بتأييد بعضها وإنكار البعض الآخر ما يقتضي إقناع الشريك الدستوري الآخر في التأليف بذلك، وهو رئيس الدولة. حال واحدة فقط تمكّنه من إنجاح مهمته للفور، هي موافقته والرئيس عون على الشروط تلك كي تبصر الحكومة النور. الأمر الذي بَانَ متعّذراً ولا يزال حتى الآن.
تشبّث جنبلاط وباسيل وجعجع بشروطهم يجعل مشاورات بيت الوسط غير ذات مغزى(هيثم الموسوي)

على نحو كهذا، تصبح مشاورات بيت الوسط قليلة الأهمية ما دام أصحاب الحل والربط متمسكين بوجهات نظرهم المتعارضة، المتنافر بعضها بإزاء البعض الآخر.
على أن ما يقتضي أن يخبره الرئيس المكلف من دروس اتفاق الطائف منذ عام 1990 ــــ وهو حتماً لم يعشها كلها وقد لا يكون أُخبِرَ عنها كلها ــــ ما دام يتشبّث بالصلاحيات الدستورية التي ناطها به، أن أياً من أسلافه، وليس أولهم والده الرئيس رفيق الحريري، لم يؤلف حكومته، بل تلك التي نشأت عن توازن القوى ومقتضياتها.
عندما يفوز جنبلاط بسبعة من المقاعد الدرزية الثمانية (6 + أنور الخليل)، فهو الأكثر تمثيلاً في طائفته، ويصبح هذا الحساب أكثر فاعلية من كون كتلته من تسعة نواب بينهم مسيحيان وسنّي. يصبح من حقه أيضاً الحصول على ثلاثة مقاعد درزية بفضل شبه الإجماع له في طائفته، في وقت لم يفز منافسه النائب طلال ارسلان بالمقعد الدرزي الثامن إلا لأنه أبقاه شاغراً له.
عندما يرفض الحريري التخلي عن مقعد سنّي بحجة أنه الأقوى تمثيلاً لطائفته، ولا يقبل سوى بمقايضته بآخر ماروني مع رئيس الجمهورية فقط، هو الذي بات يمثل ثلثي الطائفة السنّية بعدما أُفلت منه الثلث الثالث وذهب إلى معارضيه، وعندما يصرّ باسيل على أن نتائج الانتخابات هي قياس الحصول على مقاعد الحكومة، وحينما يُعطى الثنائي الشيعي كل مقاعد الطائفة في الحكومة الجديدة بسبب إمساكه بنوابها الـ27، يمسي هذا القياس حساباً بسيطاً وطبيعياً كي يفوز جنبلاط بالمقاعد الدرزية الثلاثة، من غير أن ينظر هو بالذات، بأهمية تذكر، إلى مقايضة أحدها بآخر مسيحي غير ذي مغزى. لا يُقرّش في الاشتباك الداخلي، ولا في قبضه على فيتو الطائفة.
لا تعود عندئذ ثمة جدوى لاحتساب الكتل وأحجامها (أربعة نواب ويزيد). فكيف حينما تكون الكتلة المحدثة لإرسلان من ثلاثة موارنة ـــ هم أعضاء في التيار الوطني الحر وليس في حزبه ــــ هو رابعهم الدرزي الوحيد؟ الإنصاف المنطقي لكتلته وزير مسيحي فقط. لكن حتماً لا يمكن أن يكون درزياً.
في المقابل، ليست المشكلة المسيحية أقل تبسيطاً. ثمة ما يغفله فريقاها، باسيل وجعجع اللذان يستأثران بالعدد الأكبر من النواب المسيحيين، هو أن اتفاق معراب يلزمهما وحدهما ــــ إذا كان كذلك ـــــ ولا يلزم موازين القوى المحلية التي تتداخل فيها التحالفات بالأحجام التي توازيهما حجماً أو تفوقهما أو تكون دونهما حتى.
قاعدتا الحريري وباسيل تبرّران المقاعد الدرزية الثلاثة لجنبلاط


في ما تردّد أن جعجع أبلغه إلى الحريري، أن اتفاق معراب وحده يحسم الخلاف بينه والتيار الوطني الحر على المقاعد المسيحية في الحكومة الجديدة الثلاثينية: 3 مقاعد لرئيس الجمهورية، والمقاعد الـ12 الباقية من الحصة المسيحية مناصفة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. في صلب وجهة نظر جعجع، أنه والتيار يستأثران بالمقاعد المسيحية كلها، وهما اللذان يعطيان الحلفاء أو سواهم. أبدى استعداده للتخلي عن أحد المقاعد الستة بواحد لتيار المردة وآخر لحليف ما، لكنه لن يكون حزب الكتائب، ولا يبدو مهتماً بالتحالف أو التعاون معه، ولا يضيره انفتاحه على رئيس الجمهورية. يتمسك أيضاً بأربع حقائب. اثنتان رئيسيتان واثنان ثانويتان، إلا في حال حصل على حقيبة سيادية أو على نيابة رئاسة الحكومة، يقبل عندئذ بحقيبة وزير دولة. في حسبانه لا تسوية تخرج عن أي من الحدين الأدنى أو الأقصى لشروطه الواقعة كلها تحت سقف اتفاق معراب، الملزم لطرفيه الموقّعين. يذهب ضمناً إلى أبعد من ذلك، بالإيحاء بأن رئيس الجمهورية ــــ وليس الرئيس الحالي للتيار الوطني الحر فقط ــــ ملزم بدوره مضمون ذلك الاتفاق، كون ما أُدرجت فيه من تفاهمات تقع تحت عنوان انتخابه رئيساً للجمهورية، ما يفضي إلى تقاسم التنظيمين الزعامة المسيحية في ظل عهد منبثق من اتفاق معراب.
خلافاً لجنبلاط الأكثر انطباقاً مع وجهتي نظر الحريري وباسيل أن نتائج الانتخابات النيابية تحدّد أحجام التمثيل الوزاري، ينطلق جعجع من منطق مختلف: قدم في مرجعية اتفاق معراب السابق لانتخابات أيار بسنة ونصف سنة بتكريسه المناصفة في معزل عن أي اعتبارات سياسية أخرى، وقدم في الأخذ بنتائج الانتخابات مع انتفاخ حجم كتلته من ثمانية نواب إلى 15، بينهم حزبيون هم أكثر من ضعف نواب 2009. الأهم أن زعامة الشارع المسيحي باتت مقتصرة على فريقي هذا الاتفاق فقط.
حسابات باسيل مغايرة تماماً، فهو يرئس حزب الرئيس، الحزب الحاكم، ما يبرّر تداخل حصتي الرئيس ورئيس الحزب كأنها واحدة. الأكثر تمثيلاً للمسيحيين من دون أن يكون الممثل الوحيد للمسيحيين، ورئيس الكتلة النيابية الكبرى من غير أن تكون الوحيدة.