على خطى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وبعد شهرين، جال اليوم الوزير السعودي المفوّض، وليد البخاري بين حاصبيا وخلوات البياضة، لكن مع اختلاف الغايات والمضيفين. رئيس الحكومة اللبنانية والسفير السعودي تعرفا للمرة الأولى إلى المنطقة، إنما تباينت الظروف والتداعيات. قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة، حط رئيس تيار المستقبل في المنطقة بهدف الترويج لمرشحه عن المقعد السني في حاصبيا ـــــ مرجعيون عماد الخطيب الذي ترشح ضمن لائحة مدعومة من رئيس الحزب الديموقراطي طلال إرسلان والتيار الوطني الحر. هدف الزيارة وبرنامجها أثارا غضباً واسعاً، لا سيما من الحزب التقدمي الاشتراكي، ونائب المنطقة الأمين العام لكتلة التنمية والتحرير أنور الخليل اللذين تحالفا في دعم لائحة "الأمل والوفاء" مع حزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي. غضب عبّر عنه نائب التقدمي عن البقاع الغربي وائل أبو فاعور قائلاً: «للبيوت أبوابها، وباب حاصبيا وليد جنبلاط». ابن خلوات الكفير (حاصبيا) صوّب على استثناء الحريري كلاً من التقدمي والخليل من اللقاءات وتنسيق الجولات، مستعيضاً عنهما بإرسلان الذي استقبله في السراي الشهابية في حاصبيا واصطحبه إلى خلوات البياضة. غضب المختارة انعكس على مشايخ الخلوات في اقتصار استقبال الحريري وإرسلان بعدد قليل من المشايخ لم يكن من بينهم أبرز رموزها الدينية كالمشايخ سليمان شجاع وفندي شجاع وغالب قيس.اليوم، كان المشهد مغايراً تماماً. عند تخوم فلسطين المحتلة والجولان، أشرقت الشمس على البخاري في أول يوم له بعد عودته إلى لبنان ليل الأربعاء من عطلة عيد الفطر. عطلة تخللتها المشاركة في استقبال النائب وليد جنبلاط في الرياض. وفق مصادر مواكبة، تم التوافق بين الطرفين على جولة البخاري في حاصبيا في المملكة آنذاك. اللافت أن الوزير المفوض هو من وضع برنامج الزيارة وما كان على الرفاق الاشتراكيين سوى التنسيق. بدا واضع الزيارة مدركا تماماً لخطوات الحريري التي أثارت الحساسيات، ففعل العكس بعد أسابيع قليلة من زيارة جنبلاط إلى المملكة بعد جفاء طويل: وضع البخاري الخليل مسبقاً في أجواء الزيارة وخصه بلقاء في منزله في زغلة. تأبط يد أبو فاعور ومسؤولي "التقدمي" في المنطقة في كل محطات الجولة على خلاف غيابهم التام عن جولة الحريري. الغياب كان متبادلاً. الدور هذه المرة كان لمسؤولي "المستقبل». وعلى رغم أن الحريري سبقه إلى الخلوات، إلا أن مشايخها أبدوا حماسة واهتماماً باستضافة البخاري أكثر مما أبدوه باستضافة الحريري. إذ تقدمهم اليوم كبيرهم الشيخ سليمان جمال الدين شجاع ممثلاً شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن. بقي القاسم المشترك الوحيد بين الجولتين، محطة دار إفتاء حاصبيا واستقبال المفتي الشيخ حسن دلي ومسؤولي المؤسسات التابعة لدار الفتوى في المنطقة.
ليست زيارة بمناسبة افتتاح مسجد أم تدشين مشروع ممول من السعودية أو وضع حجر أساس لمشروع موعود. إنها زيارة تصويب "ثغرات" الحريري ودخول البيوت من أبوابها التي جمعت بين طرفين لم تعد علاقة رئيس "المستقبل" كما كانت معهما. في الطريق، سلك البخاري سبيل البقاع الغربي ـــــ راشيا الوادي. منها ومن العرقوب والخلوات، شاهد بأم العين الحدود السورية. وعلى «المقلب» الآخر منها، تُتهم المملكة السعودية بإذكاء الاشتباكات في مناطق يتواجد فيها الدروز في شكل كبير. في كلمته الترحيبية، ذكّر الخليل السفير بأن «المنطقة لا تزال تعاني من احتلال العدو الإسرائيلي ونحن نتمسك بمقاومتنا لأن المقاومة هي وحدها من حرر الأرض».
والتفت الخليل إلى أبو فاعور واصفاً إياه بـ«الأخ العزيز والوزير المصلح». في الخلوات، أشاد شجاع بدور المختارة "التي تربطها علاقة وثيقة وتاريخية بالمملكة السعودية القائمة على المحبة والاحترام». أما البخاري، فقال إن السعودية "تدعم التواصل مع الجميع في هذا البلد، ولضمان استمرار التواصل والإزدهار والاستقرار للبنان». وأشاد بدور المرجعيات الدينية والروحية في هذه المنطقة "التي لعبت دوراً في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين. ونسأل الله أن يديم علينا كرم التواصل مع شيوخنا الأفاضل»، مذكراً بعلاقة «أمير البيان شكيب ارسلان مع الملك المؤسس عبد العزيز».
من جهته، امتدح أبو فاعور السعودية التي «لطالما كانت سياستها الدعوة إلى التقارب بين كافة اللبنانيين، وإيجاد المشترك في ما بينهم، ولقاء اليوم هو على شاكلة ما تحب المملكة للبنانيين أن يكونوا».