أقلّ من شهر مضى على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، من دون أن تظهر ملامح جديّة لقرب التأليف. وفيما كانت أجواء التشاؤم تخيّم على الساحة السياسية حتى مساء أمس، أضفى اللقاء الذي جمع الحريري بالوزير جبران باسيل في العاصمة الفرنسية أول من أمس، أجواء محدودة من التفاؤل. وبانتظار عودة الحريري إلى بيروت اليوم، حيث سيكون عصر غد في استقبال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في بيروت، التي تزور لبنان بعد لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل يومين في جدول أعمال أبرزه ملفّ اللاجئين، تبقى التطوّرات في الملفّ الحكومي معلقة على تفعيل التواصل والتشاور بين القوى السياسية لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الموسّعة، في سباق مع تطورّات إقليمية ودولية خطرة.مصادر سياسية بارزة في التيار الوطني الحر قالت لـ«الأخبار» إن «لقاء باسيل والحريري كان طويلاً وجدياً... ولا توجد مشاكل». وأوضحت أن رئيس الحكومة بات يدرك أن التأخير في التأليف لم يعد مبرراً، وبالتالي بات لزاماً أن يغادر مربع إرضاء الجميع إلى مصارحة كل الأطراف بالأحجام التي تستحق أن تتمثّل بها في الحكومة، «إذ إن من يطالبون بحصص أكبر من حجمهم هم من يؤخرون عملية التأليف. فليس منطقياً أن يطالب الاشتراكيون بثلاث حقائب والقوات بخمس. عندها، بالنسبة والتناسب، يحق للتيار 10 وزراء من دون احتساب حصة رئيس الجمهورية، إلا إذا كان رئيس الحكومة يريد إعطاءهم ذلك من حصته». ونقلت المصادر عن الحريري أنه لا يزال رافضاً أي تمثيل لسنّة 8 آذار في الحكومة.
لقاءات خلال الأيام المقبلة لحلحلة العقد الداخلية أمام تشكيل الحكومة


وبينما استمر الرئيس نبيه برّي على تشاؤمه لليوم الثاني على التوالي، متسائلاً عن الأسباب التي تدفع الحريري إلى التأخر في البدء بالعمل على التشكيل بشكل جدّي، قالت مصادر متابعة لـ«الأخبار» ليل أمس، إن «هناك بوادر جديّة لبدء مساعي التأليف، وستعقد اجتماعات اليوم وفي الأيام المقبلة تصبّ في هذا السياق». غير أن برّي، في تساؤلاته، ربط بين الظروف الخارجية والتطورات في الإقليم، وبين التأخير في تشكيل الحكومة، على اعتبار أن العقد الداخلية، وإن كانت صعبة، لكنها ليست مستحيلة، ويمكن حلّها إذا انطلقت الحوارات بين الأطراف. وتأتي تساؤلات برّي في ظل التصعيد السعودي ـــــ الأميركي ـــــ الإسرائيلي في كل المنطقة ضد إيران وسوريا وحلفائهما، من العراق إلى لبنان وفلسطين واليمن، وفي ظلّ الإجراءات العقابية ضد روسيا من قبل الولايات المتحدة والردود الروسية بالعقوبات المضادة. الانطباع العام في بيروت، أن السعودية باتت تربط ملفات المنطقة، ومنها الملفّ اللبناني، وتحديداً تشكيل الحكومة، بتطورات العراق واليمن، بانتظار تحقيق إنجازات ميدانية تقلب المعدلات الميدانية لمصلحة السعودية، التي لا تراكم إلا الخسائر منذ سنوات، في رهانات فاشلة من العراق إلى سوريا واليمن.
مصادر رفيعة المستوى في قوى 8 آذار، أكّدت لـ«الأخبار» مساء أمس أنه «لم يظهر حتى الآن أي عقد خارجية، والعمل سيبدأ على حلّ العقد الداخلية». وفي الإطار عينه، نفى وزير الداخلية نهاد المشنوق، في اتصال مع «الأخبار»، أن تكون السعودية متدخلة في تأليف الحكومة، لا من قريب ولا من بعيد.
غير أن هذه الطمأنات، لا تجد تفسيراً للبطء الذي تعاني منه عمليّة التشكيل، على الأقل بدء الحوارات بين الأطراف. وفي الوقت عينه، تظهر معالم المحاولات السعودية لإعادة تشكيل قوة ضغط على حزب الله في لبنان من بقايا فريق 14 آذار، والمحاولات الأميركية لإعادة قطع طريق دمشق ـــــ بغداد وفصل العراق عن سوريا عبر السيطرة على الحدود السورية ـــــ العراقية، وتالياً قطع الطريق على إيران إلى سوريا ولبنان، واستكمال حصار طهران بالتوازي مع عمليّة التحالف في اليمن للسيطرة على الساحل الغربي. كلّ ذلك يضع تأخير الحريري في خانة «الانتظار الإقليمي» في خطوة مشابهة لما حصل على مدى السنوات الماضية، حين كان فريق 14 آذار يراهن على التحولات في الإقليم عبر العرقلة الداخلية، ثم لا يلبث أن يضطر إلى السير في التسويات مع فشل مشاريع رعاته في الإقليم.

يعود الحريري إلى بيروت اليوم بعد لقاء مع باسيل في باريس ناقشا خلاله تشكيل الحكومة


وبلا شكّ، فإن الرئيس ميشال عون وحزب الله وحلفاءهما في الداخل، يسعون إلى الإسراع في التأليف، مع ازدياد الاستحقاقات الداخلية وتردّي الاحوال الاقتصادية والظروف المالية الضاغطة في البلاد، التي تحتاج إلى ورشة عمل سريعة، لا يخدمها أن تبقى البلاد في مرحلة المراوحة وتصريف الأعمال. ومع أن أكثر من مقرّب من الحريري يؤكّد أن الرئيس المكلّف يقدّر الصعوبات الملقاة على عاتقه والمخاطر التي تحيط تحديداً بالوضع المالي والاقتصادي، إلا أن التأخير لا يزال سيّد الموقف، بما يوحي بأن الحريري يخضع لضغوط خارجية لا يستطيع تجاوزها.
أمّا على صعيد العقد الداخليّة، فلا تزال أزمة تمثيل حزب القوات اللبنانية في الحكومة، العقدة الأبرز، خصوصاً بعد تأكيد رئيس الحزب سمير جعجع قبل يومين مطالبته بالمناصفة مع التيار الوطني الحرّ عملاً باتفاق معراب. ولا تزال العقدة الدرزية أيضاً على حالها، مع إصرار رئيس الجمهورية على توزير النائب طلال أرسلان وتمسّك النائب وليد جنبلاط بالمقاعد الدرزية الثلاثة في الحكومة. وفي الإطار، سجّل أمس لقاء جمع معاون الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الحاج حسين الخليل ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال أرسلان. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال ماثلة عقدة تمثيل السنّة من خارج تيار المستقبل في الحكومة، حيث سيقوم «اللقاء الوطني» الذي عقد اجتماعاً أمس في منزل النائب عبد الرحيم مراد، بجولة على عون وبرّي وقوى سياسية أخرى للتشديد على ضرورة تمثيل اللقاء بحقيبة وزارية. كذلك الأمر، استقبل عون رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف ووفداً من الحزب، وطالب الوفد بضرورة تمثيل القومي في الحكومة.

«ختم» جوازات الإيرانيين
على صعيد آخر، استمرت قضية إعفاء الإيرانيين من «ختم» جوازات سفرهم على المعابر الحدودية اللبنانية بالتفاعل. وزارة الداخلية سرّبت أول من أمس خبراً يفيد بأن المشنوق سيوجّه مذكرة إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لإلغاء قراره بشأن عدم «تختيم» جوازات سفر الإيرانيين والاكتفاء بـ«ختم» بطاقات مستقلة. إلا أن مصادر المشنوق أكّدت ليل أمس لـ«الأخبار» أنه لن يتخذ أي قرار إلا بعد التشاور مع رئيس الحكومة، وبعد التباحث مع اللواء إبراهيم. وقالت المصادر إن قراراً مماثلاً شديدُ التعقيد، وخاصة في مرحلة تشديد العقوبات على إيران. ونفت المصادر وجود خلاف بين وزير الداخلية والمدير العام للأمن العام، لافتة إلى أن التسريب (بشأن مذكّرة الوزير) جرى فيما كان المشنوق خارج البلاد.