للمرة الأولى منذ استحداث المقعد الماروني في البقاع الغربي، في عام 1992، يحتله شخص غير روبير غانم (76 سنة). الأدق أن غانم حُرمَ منه لمدة عام، عندما شغله هنري شديد في عام 1996، قبل أن تبطل نيابته لاحقاً. وبخلاف زملائه ممن ترشحوا ولم يحالفهم الحظ، لم يعاند غانم قواعد اللعبة، فقرر عدم الترشح «ليس خوفاً» من قانون الانتخاب، بدليل أن هنري شديد فاز بنتيجة 1500 صوت «كنت نلتها في ضيعتي وحدها»، و«لا زعل بيني وبين تيار المستقبل»، وإنما على قاعدة «أنك حين تشعر نفسك غير قادر على تقديم شيء لبلدك، عليك أن تنسحب بهدوء».الانسحاب الهادىء ليس قراراً طارئاً. قبل عام ونصف تقريباً «أبلغت الرئيس سعد الحريري بالأمر، وقبيل موعد الانتخابات، اتصل بي رئيس مجلس النواب نبيه بري طالباً مني الترشح وقال لي مقعدك محفوظ ولكنني رفضت». السبب الوحيد للانسحاب هو القرف. «فالناس تضع كل الطبقة السياسية في المنزلة ذاتها ويعتبرونها فاسدة وحرامية وهذا غير صحيح ما يعني أننا نتحمل أموراً لا علاقة لنا بها».
لا يزعجه أن يكون هنري شديد هو الفائز بالمقعد «لأنني أيدت ترشيحه قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات. زارني أصدقاء من الخربة وسألني أحدهم: إذا لم تترشح فمن تريدنا أن ندعم؟ أجبتهم بأن الأنسب للمنطقة من بين المرشحين المستقلين نوعاً ما هو هنري شديد، وما أن غادروا منزلي حتى أبلغوه دعمي لترشيحه».

مقعد الوالد
يرفض غانم القصة المنتشرة عن دخوله العالم السياسي في عام 1992، والتي تقول إن الاستخبارات السورية استحدثت المقعد لأجله بفعل صداقاته مع رجال أعمال سوريين. يقدّم قصة مغايرة: «كنت محامياً ووكيلاً لمجموعة رجال أعمال عرب وسوريين كانوا يترددون على لبنان باستمرار، إلى حين طوني فرنجية في عام 1978، حيث تعذر عليهم المجيء. انتقلت إلى فرنسا بناء لدعوة صديقي جوزف خوري لمتابعة عملي هناك، وفي عام 1992، زاد عدد النواب في المجلس النيابي ليخصص مقعد للموارنة في البقاع الغربي. تلقيت اتصالاً من صديقي ريمون روفايل (مدير عام الأمن العام آنذاك، وثمة صلة قرابة بين الاثنين) يبلغني فيه رسالة من الرئيس الياس الهراوي بأن المقعد لوالدي (قائد الجيش السابق العماد إسكندر غانم) ويسألني الترشح عنه كي لا يضيع. بإصرار منه، انتقلت إلى بيروت وأعلنت ترشيحي وبدأت مشواري النيابي».
مشوار استمر على مدى خمس دورات نيابية. 26 عاماً من العمل النيابي تختصر بعضها سلسلة لوحات موزعة على جدران مكتبه في الحازمية، وبينها الصورة التذكارية للحكومة يوم عيّن وزيراً للتربية. ذكريات يفاخر غانم بها، وهو الذي يسجل له مواظبته على العمل التشريعي وحضور الجلسات النيابية (اللجان والهيئة العامة) من دون انقطاع. مرتاح لدوره التشريعي.
أيَدت ترشيح هنري شديد قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات وقد تبلّغ دعمي

يستل ورقة دوّن عليها بخط يده مشاريع القوانين التي تقدم بها إلى مجلس النواب ليبدأ العد: قانون اللامركزية الإدارية، قانون التجارة، المحاكمات المدنية، قانون المطبوعات، تعديل أصول المحاكمات الجزائية، تعديل السنة السجنية وصولاً إلى كتّاب العدل. اللائحة تطول وفيها مشاريع أقرّت وأخرى لم تقرّ مثل قانون القضاء العدلي واستقلالية القضاء الذي سحبه وزير العدل سليم جريصاتي لدرسه ولم يبت به «الظاهر ما بدهم». وماذا عن الدور الرقابي للنائب؟ يجيب: «من نراقب؟ حين تكون الحكومة عبارة عن مجلس نيابي مصغر فمن يستجوب من؟ الشكوى هنا ترتبط بالنظام السياسي الذي يلزمه تغيير جذري لا تسمح الظروف بحصوله».

لم أكن عميلاً سورياً
الصديق المقرّب للسوريين تحول بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج السوريين من لبنان إلى نائب في صفوف قوى الرابع عشر من آذار. فصل من حياته يضعه في خانة «الاستقلالية» ويضعه آخرون في خانة «التقلب السياسي» أو «نقل البارودة من كتف إلى كتف. «طولي بالك عليي» يقول بعد تغيّر نبرة صوته، ويضيف: «لم أكن مع السوريين عميلاً مثل غيري، ولم أعدّ التقارير مثل غيري. نسجت علاقات طبيعية مع السوريين وهم كانوا يكنون لي الاحترام أكثر من كل النواب الذين كانوا معهم لأنني لم أطلب شيئاً لنفسي وكنت قادراً على الطلب».
هل يزعجك القول إنك كنت مع السوري أو جزءاً من التركيبة السورية؟ «لا. فأنا أتحدى من يقول إني قمت بأي عمل ضد أي طرف لبناني. بل بالعكس وخلافاً لهنري شديد الذي تربطه علاقة وطيدة مع السوريين وأعلن ترشيحه من الشام عام 2009، أنا ولغاية 1997 لم تكن علاقتي جيدة معهم في لبنان، لأني لست كالآخرين وليس من طبعي تقديم الولاء والطاعة، وحين ترشحت لم يكن للسوري علاقة بترشيحي. لي موكل سوري يدعى عثمان العائدي (أحد كبار الأثرياء) علاقته ممتازة مع النظام». ويكمل: «ولكن حين كنت وزيراً للتربية كانت علاقتي باردة معهم واشتغلوا ضدي لمصلحة هنري شديد في عام 1996». يروي القصة ويكرّر ضرب يده على الطاولة مرات عدة فيما ترتسم ضحكة صفراء على محياه: «أيااام... المستندات عندي واحتفظ بها لغاية اليوم».