بواقعية مفرطة، تتعامل القوى السياسية مع تشكيل الحكومة المقبلة على أنه هدف بعيد المنال، وبالتالي لا بد من إقفال عدد من القضايا العالقة على عجل، قبيل ساعات من موعد تصريف الأعمال الحكومي. كان مجلس الوزراء قد كلّف وزارة الطاقة في جلسة 26 نيسان البحث عن «سبل تأمين طاقة إضافية إما باستجرار الطاقة من سوريا أو استقدام بواخر أو أي طريقة أخرى مع إعداد تصور يلحظ كل الخيارات».وبالفعل، فقد خلصت الوزارة، بحسب الكتاب الذي أرسلته إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في 18 الجاري، إلى أنه لا يمكن الاعتماد على استجرار الطاقة من سوريا بشكل دائم ومستمر كون تردد (Frequency) الكهرباء يصل إلى 49.1 هيرتز عوضاً عن 50، مما يمكن أن يشكل خطراً على الشبكة اللبنانية. كما تشير الوزارة في كتابها إلى أن كلفة الطاقة المستجرة 16.39 سنتاً / كيلو واط ساعة وفق السعر الحالي لبرميل النفط، هو أعلى كلفة من الطاقة المنتجة من معامل كهرباء لبنان ومن الطاقة المستمدة من البواخر حالياً.
وبعدما تبين للوزارة أن كمية الطاقة الممكن استجرارها من سوريا تقدر بـ276 ميغاواط، تخلص إلى أن الكمية التي يمكن استجرارها لا تكفي لسد العجز الحالي والبالغ 850 ميغاوط، علماً أن السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي كان قد أشار في مقابلة مع «الأخبار»، قبل أقل من أسبوع، إلى أنه يوجد إمكانية لرفع مستوى الاستجرار إلى حدود 1000 ميغاواط. لكن مع ذلك، تعود الوزارة وتشير إلى أنه يمكن الاستعانة بالطاقة المتوافرة من سوريا في حال عدم وجود بديل لها من حيث الوقت والسعر ومنطقة الربط والحاجة إليها. أي باختصار، عود على بدء

«البوارج» على حد تعبير وليد جنبلاط!
يستغرب مصدر مطلع على المفاوضات كيف تخلص الوزارة إلى هذه النتيجة، مشككاً بأسباب التطرق إلى مسألة التردد، إذ إن هذه الحالة تطاول منطقة بعلبك حصراً، وقد تم التأكد بنتيجة اختبار أجري لمدة 15 يوماً، مع مراقبة الترددات لحظة بلحظة، أن الكهرباء كانت ثابتة وصولاً إلى محول بعلبك، أي تبين أن المشكلة تكمن بالمحول حصراً، ولا تشمل كل الطاقة المستجرة إلى لبنان. ولأن كهرباء لبنان تدرك ذلك، فهي لم تتطرق إلى المسألة في الاجتماع الذي عقد في الثاني من أيار الجاري، مع وفد من المؤسسة السورية للكهرباء حضره معاون وزير الكهرباء الياس توما والأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري.
اجتماع للجانبين اللبناني والسوري في حزيران لدراسة إمكانية استجرار 500 ميغاواط


أكثر من ذلك، كان لافتاً الاتفاق على بحث إمكانية زيادة الكميات التي يمكن استجرارها إلى 500 ميغاوط، على أن يناقش الأمر في الاجتماع الذي يعقد الشهر المقبل بين الطرفين، وبعد أن يكون كل طرف قد أجرى الدراسات الفنية اللازمة لذلك. عليه، هل يعقل أن يتم النقاش في زيادة الكمية من دون حل مسألة الترددات، لو كانت تشكل مشكلة فعلية؟ كهرباء لبنان اكتفت بالتأكيد، بحسب محضر الاجتماع، على مسألة مبدئية هي ضرورة التزام الجانب السوري بمستويات التوتر والتردد وفقاً للشروط الفنية الواردة في اتفاقيات الاستجرار.
زد على ذلك، أن الجانب السوري وافق على طلب مؤسسة كهرباء لبنان التعويض عن الاستجرار من جهة عنجر (66 ك. ف. باستجرار الكمية الإضافية من محطة كسارة (400 ك. ف.) ما يعني تخفيض كلفة الاستجرار بشكل ملحوظ. كذلك وافق الجانب السوري على تخفيض أسعار الاستجرار نصف سنت على الخط 400 وسنتاً واحداً على خط الـ220 و1.5 سنت على خط الـ66، وهو ما سبق أن أشارت إليه «الأخبار» في 13 نيسان الماضي في مقالة بعنوان: «عرض سوري جديد: كهرباء أكثر وسعر أقل». وتؤكد مصادر مطلعة في هذا السياق، وخلافاً لتقرير الوزارة، أن معدل السعر ينخفض عن سعر البواخر عبر خطين فيما تزيد عليه عبر الثالث (تختلف أسعار الاستجرار بحسب خطوط النقل)، علماً أن الجانب السوري وافق على طلب مؤسسة كهرباء لبنان تعويض الاستجرار من جهة عنجر (الأغلى) باستجرار الكمية الإضافية من محطة كسارة (الأرخص).

البواخر مجدداً
مع استبعاد الوزارة لخيار استجرار الطاقة من سوريا، يبقى موضوع استقدام البواخر، الذي سبق لإدارة المناقصات أن خلصت إلى عدم السير بملف التلزيم المتعلق به، نظراً لبقاء عارض وحيد. وعليه، تقترح الوزارة أن تقوم اللجنة الوزارية باستدعاء كل الشركات وفض جميع العروض وإجراء مفاوضات مباشرة مع العارضين، وصولاً إلى «توقيع عقد مع العارض الأنسب والأكثر جدية وكفاءة». أما الاقتراح الثاني، فيقضي بتكليف كهرباء لبنان إجراء استدراج عروض جديد وفقاً لأنظمتها ولدفتر شروط جديد (أرفقته الوزارة بالكتاب المقدم إلى مجلس الوزراء والذي يتضمن الشروط الأساسية لدفتر الشروط السابق باستثناء تمديد فترة الإنجاز إلى تسعة أشهر واقتراح تمديد مهلة تقديم العروض إلى عشرة أسابيع بدلاً من ثلاثة).
في هذا الخيار، تخطٍ لكل الملاحظات التي كانت تواجه مناقصة البواخر (موجّهة وتلغي المنافسة) وسعي لتمرير ما لم يمر عبر إدارة المناقصات من خلال قرار حكومي، وإلا كيف يمكن قراءة «توقيع عقد مع العارض الأنسب والأكثر جدية وكفاءة»، خصوصاً أن هذه الصيغة تعني أن التعاقد لن يجري بالضرورة مع صاحب السعر الأقل.
أما في حال اللجوء إلى الخيار الثاني، أي تكليف مؤسسة كهرباء لبنان إجراء استدراج عروض جديد، فيورد مصدر مطلع مجموعة ملاحظات تؤكد عدم قانونية خيار كهذا، نظراً لأن نظام استثمار مؤسسة كهرباء لبنان لا يجيز لها توزيع غير الطاقة المنتجة في معاملها أو في معامل تملك امتيازاً لإنتاج الطاقة، وبالتالي فإن استدراج العروض سوف يكون مخالفاً حكماً لأنظمتها. هذا فضلاً عن أن المادة 79 من النظام المالي للمؤسسة تحصر استدراجات العروض بصفقات «اللوازم والأشغال والخدمات». وهي لا تشمل إنتاج الطاقة من البواخر.

ما العمل إذا؟
يؤكد المصدر أن الأولوية، وقبل الدخول في مناقشة أي من الخيارات المعروضة، يجب أن تكون تنفيذ أحكام القانون 181/2011 القاضي بتعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان خلال مهلة أقصاها شهران، بعد أن وفر مليار و200 مليون دولار لتنفيذ برنامج معجل لأشغال كهربائية منها إنتاج 700 ميغاواط. ولم تفلح وزارة الطاقة في تنفيذها والاستغناء عن البواخر، التي تم التعاقد معها مرحلياً لإنقاذ صيف 2010 ولمدة ثلاث سنوات غير قابلة للتمديد، عادت ومددتها لسنتين، ثم أخيراً لسنة إضافية، بعدما رفض طلبها التمديد لثلاث سنوات جديدة قابلة للتمديد لسنتين.