لم تجنِ الدول الأوروبية والغربية التي قطعت علاقاتها الرسمية بسوريا مجاراةً للمواقف الأميركية طوال السنوات الماضية، سوى ارتداد الإرهاب إلى داخلها. وعلى الرغم من استمرار هذه الدول بترداد المعزوفة الأميركية نفسها حيال الدولة السورية وحزب الله في لبنان، بات بعض هذه الدول يبحث عن تمايز في المواقف، إن لم يكن في العلن، هرباً من الإحراج أمام الأميركيين والبريطانيين، على الأقلّ في السرّ، عبر الاتصال بـ«وسطاء» سياسيين وإعلاميين، مقربين من سوريا وحزب الله.الحكومة الأوسترالية مثلاً، ذهبت بعيداً في الوقوف إلى جانب الأميركيين، عبر الانخراط في «التحالف الدولي» الذي جاء إلى سوريا بذريعة محاربة «داعش»، فانتهى بقصف المنشآت السورية وتدميرها، وتدمير المدن وتشكيل ميليشيات محليّة تنشد تقسيم سوريا، على غرار «قوات سوريا الديموقراطية». ولعلّ أخطر ما قام به «التحالف الدولي»، بمشاركة أوسترالية، كان قصف جنود الجيش السوري في دير الزور في أيلول 2016، في عمليّة مكشوفة، كانت نتيجتها استشهاد مئات الجنود السوريين المحاصرين وقتها من قبل «داعش»، وأدّت إلى سيطرة التنظيم الإرهابي على جبل الثردة بُعيد الغارة، قبل أن يقوم الجيش السوري لاحقاً بحملة فكّ الحصار عن المدينة وطرد الإرهابيين منها.
قبل نحو ثلاثة أسابيع، التقى وفد رسمي من وزارة الخارجية الأوسترالية يضمّ ممثّلين عن السفارة الأوسترالية في لبنان و«البعثة الأوسترالية في الشرق الأوسط»، أحد الوسطاء المقرّبين من سوريا وحزب الله، في لقاء رسمي لتبادل وجهات النظر حيال التطوّرات الأخيرة في المنطقة. جاء اللقاء عقب العدوان الثلاثي الذي شنّته أميركا وفرنسا وبريطانيا، بذريعة استخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي، وجاء الموقف الأوسترالي داعماً للعدوان.
في بداية الجلسة، سمع الأوستراليون تأكيداً لعمق العلاقات بين الشعبين اللبناني والسوري والشعب الأوسترالي، قبل أن يسمعوا انتقاداً واضحاً بسبب الموقف من العدوان، وأنه «يتعارض مع المواثيق الدولية والقيم التي تتغنّى بها أوستراليا»، وأن «مواقف (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب تضرّ بالمصالح الأوسترالية»، وأن سوريا لا يمكن أن تفتح الباب أمام التنسيق الأمني ما لم يقترن بعودة العلاقات الدبلوماسية. وحين أشار الأوستراليون إلى أن موقف بلادهم بقطع العلاقات منسجم مع المواقف الدولية، أكّد المضيفون أن «الأميركيين يفعلون شيئاً في العلن ويقومون بنقيضه في السر، وهم يسعون للحوار مع السوريين في القنوات المغلقة، وسوريا هي التي ترفض الحوارات السرية». وطرح المضيفون سؤالاً عمّا إذا كان الأميركيون قد زودوهم بمعلومات وأدلة على استخدام الحكومة السورية الأسلحة الكيميائية لقصف دوما، وما إذا أيدت أوستراليا العقاب قبل التحقيق، فأكّد الأوستراليون أنهم «يؤيّدون تحقيقاً محايداً بشأن القصف الكيميائي»، وأنهم «لا يملكون معلومات عن السبب الذي دفع حكومتهم إلى تأييد الضربة الغربية، والأميركيون قالوا إن أدلتهم على استخدام الكيميائي استخباراتية سرية ولم يصرّحوا عنها، لكنهم متأكدون من أن حكومتهم حاورت الأميركيين، وبناءً على هذا الحوار جرى تأييد الضربة». وأضاف الأوستراليون أن حكومتهم «مستمرة بتقديم الدعم للشعب السوري بموازنة 220 مليون دولار، وهي تسلِّم هذه المساعدات للجهات الدولية المعنية، لكنها لا تعرف أين تصرف هذه المساعدات، أفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية أم المعارضة؟».
أكّد الأوستراليون أن «موازنة دعم الشعب السوري» تبلغ 220 مليون دولار تقدّم للجهات الدولية


وبدا الأوستراليون مهتمين بالحوار الإيراني التركي الروسي، ومدى انعكاسه على عودة العلاقات بين سوريا وتركيا، وتحديداً بين الرئيس بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وما إذا كان سيُميَّز بين الإرهابيين في الشرق السوري، وما إذا كانت «آستانا» تدعم «مسار جنيف»، وانعكاس ذلك على الدستور السوري «الجديد».
وفي ما خصّ علاقة الأسد بأردوغان، دلّل المضيفون على أن الأسد استقبل وفداً أرمنياً سورياً من حلب في ذكرى الإبادة الأرمنية، في دلالة على استمرار موقفه من تركيا. وذكّر برفض الأسد المشاركة في قمة إسطنبول الأخيرة، مشدداً على أن «الحكومة السورية تميّز بين الشعب التركي والدولة التركية، وبين النظام التركي وحزب العدالة والتنمية المتطرف، وأن السوريين يشعرون بالغدر من أردوغان»، مؤكّداً أن «الدورين الإيراني والروسي لم ينجحا في إيجاد علاقة إيجابية بين الأسد وأردوغان».
وبالحدث عن إيران، تناول الأوستراليون «موقف إيران الإيديولوجي»، سائلين إن كان الأسد يقلق من هذا الأمر مستقبلاً، ومن أن «إيران تريد محاربة إسرائيل من سوريا، فهل سيرضى الأسد؟». فأجاب المضيفون بأن «الأسد وإيران متفقان على العداء لإسرائيل ومواجهتها، والأسد يستفيد من القوة الإيرانية في حماية سوريا من إسرائيل، وإسرائيل تحتل أراضي سورية لا إيرانية، وبالتالي، يعرف الأسد كيف ينسّق العمل بين حلفائه الصادقين إيران وروسيا والصين وحزب الله مثل قائد أوركسترا. عندما كان الشاه يشرب الفودكا مع الإسرائيليين، كان الأسد الأب يقاتل إسرائيل، والآن هناك تفاهم تام بين الأسد والقيادة الإيرانية حول أدق التفاصيل».
ووجّه المضيفون أسئلة إلى الوفد الأوسترالي عن أحد الإرهابيين الأوستراليين البارزين الذين قتلهم الجيش السوري في عام 2012 (المدعو الشيخ مصطفى المجذوب، وهو متهم بخطف سوريين وقتلهم)، مؤكّدين أن الحكومة الأوسترالية أوفدت ممثلاً عنها للتعزية به، و«هذا الأمر يجعل الشعب السوري ينظر إلى الحكومة الأوسترالية وكأنها داعمة للإرهاب». دوّن أعضاء الوفد اسم الشيخ واسم الموفد الرسمي الذي عزّى به، وأكدوا أن «الحكومة الأوسترالية لا تدعم الإرهاب، وهي حريصة على الشعب السوري، وأن لديها مشاكل مع إرهابيين يعيشون في أوستراليا ومع بيئة تسلل إليها الفكر الإرهابي». وطالب المضيفون بـ«التأكد من هذه المعلومات وتقديم اعتذار إلى أهالي الضحايا الذين قتلهم الداعية المجذوب». وسأل المضيفون عن السبب الذي لم يدفع الحكومة الأوسترالية حتى الآن إلى الاعتذار من ضحايا الجنود السوريين الذين استشهدوا في دير الزور، ما دام وزير الدفاع الأوسترالي اعترف بأن الأمر كان ناجماً عن خطأ، فأكد الوفد أنه سيرفع توصية إلى حكومته «بضرورة إرسال رسائل إلى أهالي الضحايا، وسنرفع اقتراحاً بما طرحتموه حول التعويضات».
وأشار المضيفون إلى أن «بعض المؤيدين للحكومة السورية وحزب الله في أوستراليا يتعرّضون للاضطهاد من مؤيدين للإرهابيين ويقوم هؤلاء بحملات إعلامية لتشويه سمعة مواطنين أوستراليين ويدعون الشعب الأوسترالي إلى مقاطعة أعمالهم التجارية ومؤسساتهم»، فما كان من أعضاء الوفد إلا أن دوّنوا الملاحظات، والتأكيد أن هذه المعطيات «ستُرفَع إلى الحكومة للتحقق منها واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المخالفين للقانون، مؤكدين أن في أوستراليا هناك كل الحرية لأي موقف سياسي وأن المعتدين سينالون جزاءهم». وذكر الوفد الأوسترالي أنه «كان هناك 200 أوسترالي يقاتل مع الجماعات الإرهابية في سوريا، وأن أثر 110 فقط لا يزال ظاهراً على الأرض ولا معلومات كافية عن الآخرين، وهناك خشية من عودتهم إلى أوستراليا». في المقابل، حذّر المضيفون الوفد الأوسترالي من معلومات مؤكّدة عن انتقال إرهابيين إلى الفيليبين وإندونيسيا وماليزيا، بغية تشكيل خلايا إرهابية من آسيويين هناك وتهديد دول المحيط الهادئ وشرق آسيا، وأن هؤلاء سيشكّلون خطراً على أوستراليا مستقبلاً.



حزب الله حمى لبنان
أبدى الوفد الاسترالي اهتماماً بالوضع اللبناني، لا سيّما مسألة النازحين السوريين. وأكد المضيفون ردّاً عل الأسئلة على أن «لبنان تحاوز مرحلة الصعاب من تهديد الإرهاب بسبب معادلة الجيش والشعب والمقاومة، وأن اللبنانيين جميعاً حتى الذين لا يؤيّدون حزب الله، يشكرونه على حماية لبنان من الارهاب وأن ما قامت به المقاومة هو خدمة لكل شعوب العالم ومنهم الشعب الاسترالي». وأشار المضيفون إلى أن «المعركة العسكرية شارفت على نهايتها والآن جاء دور اجتثاث الفكر الارهابي». وفيما خصّ أزمة النازحين، أكد المضيفون على أن «المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم يقوم بجهد كبير لحلّ أزمة النازحين كما حصل في بلدة شبعا مؤخّراً»، وأن «لبنان لا يستطيع أن يحتمل أن يكون ثلث سكانه من السوريين، والحل هو بالحوار المباشر مع الحكومة السورية»، وأن «جزءاً من الحكومة البنانية لا يريد عودة النازحين إلى سوريا».