ما حصل في مستهل جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس، عندما أنهى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مداخلته وأعطى الكلام لرئيس الحكومة سعد الحريري، يطرح الكثير من علامات الاستفهام. فقد فضّل رئيس الوفد اللبناني، العائد من بروكسل، الاعتصام بجواب الصمت عن السؤال الرئاسي عن نتائج مؤتمر النزوح، وطلب الحريري الخوض مباشرة في مناقشة وإقرار جدول الأعمال «نظراً لكثرة البنود ولارتباطي بمواعيد سابقة».لقد درجت العادة أنه في مستهل كل جلسة يُوضَع الوزراء في المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية والزيارات الخارجية والمؤتمرات التي يشارك فيها لبنان، ويوضَعون أيضاً في الحركة السياسية الداخلية، ومنها الشخصيات والوفود التي تزور لبنان. لكن مفاجأة جلسة الخميس الماضي تمثلت بأن رئيس الحكومة الذي كان من المفترض أن يضع الوزراء في نتائج مؤتمر بروكسل واللقاءات التي عقدها هناك قبل بدء أعمال المؤتمر، قرر أن يتجاهل المؤتمر ولقاءاته هناك.
هل لهذا الصمت من تفسير؟
لا يجد المعنيون جواباً مباشراً من الحريري الذي من البديهي أن يكون قد أطلع رئيس الجمهورية في الخلوة الثنائية التي سبقت الجلسة على ما دار في مؤتمر بروكسل. المفارقة أن عون، من موقعه الدستوري، قرر قلب الطاولة بإعلان رفضه للبيان الصادر عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي «في نقاط محددة، هي العودة الطوعية والعودة المؤقتة وإرادة البقاء والانخراط في سوق العمل، وكل ما يتناقض وسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، وهذا الموقف مهّد له وزير الخارجية جبران باسيل، في مؤتمر صحافي أعلن فيه الإجراءات والخطوات التي ستتخذ لبنانياً، في مواجهة هذا البيان، متعمداً الإطلالة من منبر القصر الجمهوري لرمزية الموقع الدستوري وخطورة ما يحاك ضد لبنان» على حد تعبير مصادر رئاسية مواكبة.
عون باشر دبلوماسية رئاسية لصدّ محاولة تطويق لبنان بمشاريع ومسميات مرفوضة


يميّز المعنيون بين البيان الصادر عن مؤتمر بروكسل والبيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، «فالأول شارك لبنان في صياغته، وصارع محاولاً عدم تثبيت وقائع تُشتمّ منها رائحة التوطين. أما في الثاني، فلم يشارك لبنان، لكونه لم يصدر عن المؤتمر ولم يناقش به أو يعرض عليه، ولا على الوفد اللبناني، وصدر بعد انتهاء المؤتمر باسم كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو غير ملزم للبنان أو للدول المشاركة في المؤتمر، ورغم ذلك كان الرفض الرسمي اللبناني على أعلى مستوى، أي رئيس الجمهورية الذي هو رئيس كل المؤسسات، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، باسمه وباسم المجلس النيابي كسلطة تشريعية».
لا يستبعد المعنيون أنفسهم أن يكون صمت الحريري هو في معرض تثبيت موقفي رئيس الجمهورية بوصفه مُعبّراً عن الموقف اللبناني الجامع أولاً، ورئيس المجلس النيابي الذي تحدث باسمه وباسم المجلس ثانياً، وما دام الحريري رئيس أكبر كتلة نيابية في المجلس، يكون ملزماً ببيان بري، وهذا الأمر يعني أنه التوافق رئاسياً على الموقف، وفق أسلوب تدوير الزوايا لبنانياً».
ويكشف المعنيون أن أول توضيح ورد بنحو غير مباشر إلى لبنان كان «حول العودة المؤقتة، إذ هناك التباس لأن المقصود، حسب التفسير الأولي، هم السوريون النازحون داخل سوريا، أي الفقرة 16 من البيان التي تتحدث عن الداخل السوري، إلا أن هذا لا يبدد التخوف اللبناني، لأن رئيس الجمهورية أسمع كل من التقاهم بعد صدور البيان الأوروبي – الأممي أنه متخوف جداً من العبارات الواردة فيه، لذلك بعد بيان عون طُلبَت إيضاحات من الاتحاد الأوروبي ومن الأمم المتحدة، هي عبارة عن أسئلة محددة يريد لبنان إجابات محددة عنها، وهي:
ماذا تقصدون بـــ«العودة الطوعية»؟
ماذا تقصدون بـــ«العودة المؤقتة»؟
ماذا تقصدون بـــ«إرادة البقاء»؟
ماذا تقصدون بـــ«الانخراط في سوق العمل»؟
لماذا عرقلة عمليات العودة للنازحين السوريين الراغبين في العودة إلى المناطق الآمنة وتخويفهم بالوضع الأمني في سوريا؟
مع الإشارة إلى أن لبنان سيمارس حقه السيادي المطلق، برفض كل ما يتناقض وسيادة الدولة اللبنانية ودستورها وقوانينها، وإذا لم تصل التفسيرات والأجوبة الشافية سيتدرّج في الموقف، باعتباره دولة عضواً في الأمم المتحدة ومن واضعي ميثاقها.
ويكشف المعنيون عن أن رئيس الجمهورية «باشر دبلوماسية رئاسية لصد محاولة تطويق لبنان بمشاريع ومسميات يرفضها جملة وتفصيلاً، وهو أبلغ، أمس، سفير بريطانيا في لبنان هوغو شورتر «أن رفض لبنان لعدد من العبارات التي وردت في البيان المشترك الذي صدر عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بعد اجتماع بروكسل، يعود إلى أن هذه العبارات ملتبسة وتتناقض مع توجهات الدولة اللبنانية التي تتمسك بالعودة الآمنة للنازحين السوريين إلى بلادهم، ولا سيما إلى المناطق المستقرة أمنياً، وتلك التي لم تعد تشهد قتالاً، وهي كثيرة على امتداد الأراضي السورية».
وشدد «على أن لبنان لم يطرد يوماً نازحين سوريين من أرضه، وهو الذي استضافهم منذ عام 2011 ووفر لهم الرعاية الاجتماعية والتربوية والصحية والإنسانية والأمنية، لكنه في المقابل يسهّل ويشجع الراغبين منهم في العودة إلى بلدهم، خلافاً لما تقوم به جهات دولية تحذرهم من هذه العودة وتعرقل تحقيق رغباتهم»، مؤكداً «أن لبنان الذي يثمّن إيجاباً جهود الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في مساعدته في مجالات عدة، وكان آخرها في مؤتمري «سيدر» و»روما 2»، فوجئ ببعض ما جاء في البيان، الأمر الذي يستوجب توضيحاً، ولا سيما في ما خص توفير فرص العمل للنازحين السوريين و»اندماجهم» في المجتمعات التي نزحوا إليها، علماً أن نسبة البطالة في لبنان ترتفع يوماً بعد يوم، وقد بلغت حالياً نسبة 46 في المئة في صفوف الشباب اللبناني».