في موازاة السعي لإنجاز موازنة 2018، تسير ورشة إقرار قانون المياه. لجنة المال والموازنة عقدت أمس جلستها الثانية لمناقشة قانون الموازنة، فيما اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الأشغال عقدت بدورها جلسة لمناقشة مشروع قانون المياه. الأمران حيويان للبنان، لكن الحاجة إليهما ليست هي الدافع الحقيقي وراء إنجازهما. قوة الدفع الفعلية تأتي من فرنسا. مؤتمر باريس 4 أو "سيدر" لا يشترط إقرار الموازنة فحسب. قانون المياه أولوية أيضاً. في توزيع المشاريع المقدمة إلى «باريس 4» يظهر بوضوح التركيز على قطاع المياه، الذي يستحوذ على 32.85 في المئة من قيمة الاستثمارات المطلوبة، أي 7.5 مليارات دولار من أصل 23 ملياراً. الحديث عن قانون المياه ليس جديداً. سبق لمديرية الموارد المائية في وزارة الطاقة أن أعدّته في عام 2005. النائب محمد قباني قدّم بدوره اقتراح قانون لتنظيم قطاع المياه في 2012.
ظلت هذه المشاريع وغيرها حبيسة الأدراج حيناً والدرس المعمّق أحياناً، إلى أن أفرجت عنها فرنسا. المبعوث الفرنسي المنتدب لشؤون المتوسط السفير بيار دوكان، الذي تحدث من بيروت مؤخراً عن ضرورة التمهيد لمؤتمر باريس 4 بإصلاحات لبنانية، كان واضحاً في تأكيده على أولوية إقرار قانون المياه. فرنسا معنية بالقطاع ليس كحريص على نجاح المؤتمر فحسب، بل لأن قطاع المياه هو أكثر القطاعات التي تتحمّس فرنسا للاستثمار فيها. وقد سبق للحكومة اللبنانية أن وقّعت اتفاقية قرض مع وكالة التنمية الفرنسية (70 مليون يورو) وبنك الاستثمار الأوروبي (70 مليون يورو) لتمويل مشاريع صرف صحي في كسروان، إلا أن تنفيذها ينتظر إقرار القانون.
قروض فرنسية معلّقة... و«نفضة» مائية لبنانية بـأكثر من 7 مليارات دولار


في الجلسة التي عقدتها فرعية لجنة الأشغال، لم يحضر من النواب سوى رئيس اللجنة الفرعية النائب جوزف معلوف والنائب محمد الحجار. ولأن انعقاد اللجان الفرعية غير مرتبط بنصاب عددي، فقد أقرّ الفصل المتعلق بالأحكام المالية والحسابية، على أن تتواصل الجلسات في الاسبوع المقبل، تمهيداً لرفع القانون إلى لجنة الأشغال، التي يفترض أن لا تتأخر بدورها قبل رفعه إلى الهيئة العامة. قد لا يصبح القانون نافذاً قبل السادس من نيسان (موعد مؤتمر سيدر)، إلا أن إقراره صار مسألة أسابيع. وعملياً، لن يكون للتأخير «التقني» في إقرار القانون تأثير على الاستثمارات التي يمكن أن ينالها القطاع في باريس، ما دام القانون، في مضمونه، مستوحى من قانون المياه الفرنسي (Code de l’eau)، مع بعض التعديلات التي تم تكييفها مع طبيعة القطاع في لبنان. وبالتالي، فإن الخشية الفرنسية ليست من إمكان وجود بنود أو نصوص مقلقة للمستثمرين، بقدر ما كانت مرتبطة بالخشية من تأخير إقراره، كونه النص القانوني المنظّم لكل عملية استخراج المياه واستخدامها وإدارتها وكيفية الاستفادة منها.
لكن هل أتت التغريدة التي أطلقها النائب وليد جنبلاط، عبر تويتر منذ أيام، وأشار فيها إلى «أنهم يريدون استئجار بواخر تحلية مياه مثل البوارج الكهربائية التركية»، من فراغ؟ يدرك جنبلاط أن لا بواخر لتحلية المياه، لكنه أراد بتغريدته أن يصيب عصفورين بحجر واحد. فهو أعاد التأكيد على رفضه خيار اللجوء إلى البواخر التركية للتزود بالطاقة الكهربائية، وفي الوقت نفسه التحذير من الانعكاسات الخطيرة لـ«دخول لبنان مرحلة التصحّر» والدعوة إلى «التفكير في الطرق المفيدة لمواجهة النقص في المياه، وهذا يحتاج الى عملية ترشيد وتوعية، وقد نكون بحاجة الى محطات تحلية»، لافتاً الى أن هذا الأمر أهم من المشاريع المكلفة لـ"باريس ٤".
حتى الآن لا مشاريع لتحلية المياه في لبنان، لكن رئيس لجنة الأشغال العامة محمد قباني يجزم بأن هذه المحطات ستكون أمراً واقعاً بعد سنوات، بالنظر إلى التغير المناخي الذي يعاني منه لبنان. أما مساعي المجلس الوطني للبحوث العلمية للبحث عن مصادر للمياه العذبة في البحر، فلم تسفر عن إيجاد كميات كافية يمكن الاستفادة منها.
ذلك يشير إلى أنه لم يعد بالإمكان هدر المياه بالشكل الذي يحصل اليوم، وهو ما يفترض بالقانون الجديد أن يضبطه، فيما تعوّل الحكومة على باريس 4 لتمويل المشاريع التي تسهم في رفع قدرات القطاع، وتنفيذ التوصيات التي صدرت عن ورشة العمل التي نظمّها مجلس النواب بالتعاون مع البنك الدولي الشهر الماضي، وأبرزها: التشدد في حماية مصادر المياه من التلوث واحترام حرم الينابيع، والإسراع في تنفيذ محطات تكرير المياه المبتذلة وتشجيع إنشاء محطات تكرير صغيرة من قبل البلديات وسواها، واستكمال تنفيذ شبكات المياه ووصلاتها، والحد من الهدر الفني والتعديات على الشبكات ورفع مردودها إلى حوالى 75 في المئة، وترشيد استخدام المياه منزلياً وصناعياً وزراعياً، ووضع تعرفة جديدة مبنية على كميات المياه المستهلكة فعلياً.