أشاع كلّ من القصر الجمهوري والسراي الكبير أجواءً إيجابية، بعد اجتماعين متتاليين عقدهما أمس الموفد الملكي والمستشار في الديوان الملكي السعودي، نزار العلولا، مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ثم مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وسبقت الاجتماع الأخير وقفة للموفد السعودي أمام ضريح الرئيس رفيق الحريري، وسط العاصمة.
وقالت مصادر رسمية لـ»الأخبار» إن ما دار في اللقاء الذي استمر ربع ساعة بين عون والعلولا «يؤشر الى تبلور مناخ سعودي جديد وإيجابي يدفع باتجاه إعادة صياغة العلاقة اللبنانية السعودية، لا بل ثمة انعطافة كبيرة في التعاطي مع لبنان كدولة وليس كملف يسند الى موظف». وكشفت أن الحريري سيلبّي الدعوة الرسمية لزيارة المملكة هذا الأسبوع، وتوقعت أن تفتح الزيارة مرحلة جديدة في علاقة رئيس الحكومة بالقيادة السعودية.
ما الذي دار في اللقاء بين رئيس الجمهورية والموفد السعودي بحضور السفير السعودي في بيروت وليد اليعقوب والوزير المفوّض في الديوان الملكي وليد البخاري (خدم كقائم للأعمال في لبنان قبل وصول اليعقوب)؟

جعجع: السعودية
غير راضية عن علاقتها
الحالية مع لبنان


بعد الترحيب والمجاملات، قال العلولا: لقد حرصت بتوجيهات من قيادتي على أن تبدأ لقاءاتي في القصر الجمهوري، ناقلاً الى فخامتكم تحيات الملك سلمان وولي العهد الامير محمد بن سلمان والقيادة السعودية، وأحمل إليكم رسالة شفهية من الملك سلمان يؤكد فيها لكم حرص القيادة السعودية على قيام افضل العلاقات بين البلدين الشقيقين، نظراً لما يجمع بين الشعبين اللبناني والسعودي من أواصر أخوة وصداقة، وهو يؤكد لكم وقوف المملكة الى جانب لبنان ودعم سيادته واستقلاله والتطلع الى مزيد من التعاون بين البلدين في المجالات كافة.
واستأذن العلولا رئيس الجمهورية لزيارة رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء، ونقل دعوة رسمية الى الرئيس سعد الحريري لزيارة المملكة.
وبعدما رحّب عون بالموفد السعودي وحمّله تحياته الى الملك السعودي وولي العهد، مؤكداً حرص لبنان على إقامة افضل العلاقات مع المملكة ومحبة اللبنانيين لأشقائهم السعوديين والرغبة في التواصل الدائم معهم على مختلف المستويات، شدد الجانبان على أهمية توطيد العلاقات بين البلدين ووجوب تطويرها، وأبدى عون ترحيبه بالدعوة الرسمية التي يحملها الموفد الى الرئيس الحريري.
وقال العلولا إن المسؤولين السعوديين لن ينسوا أن أول زيارة قام بها رئيس جمهورية لبنان بعد انتخابه كانت للمملكة، «ونحن نثمّن حكمتكم وقيادتكم الحكيمة للبنان في الظروف الصعبة التي يمر بها».
ورد رئيس الجمهورية بالقول، «أنا أكنّ محبة كبيرة للمملكة، والعلاقة اللبنانية السعودية هي انعكاس للصداقة والمحبة التي تجمع بين الشعبين، والظروف التي تمر بها الدول العربية هي ظروف استثنائية وليست الظروف التي يجب ان تجمع بين الدول، خصوصاً الاشقاء، وعندما ترأست وفد لبنان الى القمة العربية في الاردن في آذار الماضي، ناشدت اخوتي قادة الدول العربية الجلوس الى طاولة حوار والاتفاق والمصالحة حتى لا يفرض علينا احد خيارات لا نريدها، لكن الى الآن لم أجد آذاناً صاغية، والآن نرى ماذا يحصل، ولكن الفرصة ما زالت مؤاتية لتوحيد الموقف العربي».
ثم تحدث العلولا، فقال إن القيادة السعودية على ثقة كبيرة بحكمة فخامتكم وتعتبر أن المطلوب تعميق العلاقات اكثر.
وتناول عون موضوع قدوم السعوديين الى لبنان قائلاً: نرحّب بمجيء الإخوة السعوديين الى لبنان، ولا شيء يمنع مجيئهم. وهذا سفيركم موجود الآن ويتنقل بين جميع المناطق، ولا يوجد أي مانع أمني أو غير أمني، ولن يحصل أي اعتداء على أي سائح عربي أو أجنبي، أياً كانت الظروف السياسية، والجيش اللبناني والاجهزة الامنية تتخذ كل الاجراءات الخاصة في هذا الاتجاه.
هنا تكلم العلولا بعبارات تتضمن رسائل واضحة، فقال: لبنان قيمة كبيرة، وهذا الجبل الذي اسمه لبنان لن تهزّه أي هزات، قوية كانت أو خفيفة. هناك أمور إيجابية ستظهر قريباً، ولقاءاتي خلال الايام الثلاثة التي سأمضيها في لبنان هي للتأكيد على متانة العلاقات اللبنانية السعودية.
هنا كرر رئيس الجمهورية ترحيبه بالمبادرة الى توجيه دعوة رسمية الى الحريري لزيارة السعودية، فقال العلولا، «فخامة الرئيس ستشاهدون جواً سعودياً جديداً، ستشاهدون جواً سعودياً جديداً» (كررها مرتين).
واختتم اللقاء بذكريات سعودية لرئيس الجمهورية ولبنانية للعلولا.
وفي مقر الرئاسة الثالثة، كان لافتاً للانتباه أن الرئيس الحريري لم يستقبل الموفد الملكي كما يستقبل عادة كبار الضيوف، كذلك غاب بعض المستشارين الذين يشاركون في اجتماعات رئيس الحكومة، وأبرزهم مدير مكتبه نادر الحريري. وقال الحريري للصحافيين، بعد اجتماع استمر أربعين دقيقة، إن المحادثات مع نزار العلولا «كانت ممتازة»، مشيراً إلى أنه «تلقّى دعوة منه لزيارة المملكة، وسيلبيها في أقرب وقت ممكن».
وقال في دردشة مع الصحافيين عقب اللقاء: «السعودية هدفها الأساسي أن يكون لبنان سيد نفسه، وهي حريصة على استقلال لبنان الكامل، وسنرى كيف سنتعاون معها في شأن المؤتمرات الدولية المقبلة».
يذكر أن الموفد السعودي لم يُدلِ بأي موقف بعد اللقاء.
ومن السراي، انتقل العلولا والوفد المرافق إلى «منزله» في معراب (على حدّ تعبير الموفد الملكي)، حيث استقبله رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في حضور وزير الإعلام ملحم الرياشي والنائبة ستريدا جعجع. وقال جعجع للصحافيين إن «الاستقرار عامل أساسي، وهذا ما تعوّل عليه السعودية»، وأشار إلى أن دعوة الحريري الى السعودية «مبادرة جديدة». وأوضح أن السعوديين غير راضين عن العلاقات اللبنانيّة – السعوديّة القائمة حالياً، ويحاولون تحسينها من أجل إعادتها إلى سابق عهدها، وفي هذا السياق تأتي زيارة الموفد السعودي التي من ضمنها تم التطرق إلى ملف الانتخابات النيابيّة ليس أكثر.